أُسدلت اليوم الستارة على مهام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، بعد 21 عاماً من العمل المتواصل منذ تأسيسها عام 2003، في واحدة من أطول التجارب الأممية حضوراً في بلد واحد.
تجربة اتسمت بتداخل السياسة بالأمن وحقوق الإنسان، ورافقت العراق في مراحل شديدة التعقيد، من الانتقال السياسي إلى الحرب على الإرهاب، وصولاً إلى مرحلة الاستقرار النسبي.
لماذا انتهت ولاية يونامي؟
جاء إنهاء الولاية بناءً على طلب رسمي من الحكومة العراقية، التي رأت أن العراق حقق تحسناً أمنياً واستقراراً مؤسسياً، وأن المرحلة الحالية تتطلب سيادة كاملة دون بعثة سياسية مع إمكانية استمرار التعاون مع الأمم المتحدة عبر وكالاتها المتخصصة.
وخلال احتفالية الإعلان الرسمي قال الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش" الأمم المتحدة ستقف دائماً إلى جانب العراق، من جانبه أشاد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ببعثة اليونامي موضحا أنها كانت "شريكاً حيوياً ويداً ممدودة لمساندة العراق"، وأسهمت في تثبيت المسارات الدستورية ودعم العملية الديمقراطية. وأضاف "بعثة يونامي لم تستثمر خبرتها الفنية فقط بل استثمرت دماءها في خدمة العراق".
التأسيس
أُنشئت بعثة يونامي بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1500 الصادر في آب 2003، عقب التغيير السياسي في العراق، وحددت ولايتها الأساسية بتقديم المشورة السياسية للحكومة العراقية،دعم العملية الدستورية والانتخابية، تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون، تنسيق الجهود الإنسانية، ودعم المصالحة الوطنية والاستقرار.
وكانت ولاية البعثة تُجدَّد سنوياً بناءً على تقييم مجلس الأمن وطلب الحكومة العراقية.
أدوار يونامي في المسار السياسي
رافقت يونامي مرحلة صياغة الدستور العراقي عام 2005 من خلال تقديم الدعم الاستشاري والإجرائي، ودعمت النقاشات المتعلقة بتطبيق المواد الدستورية الخلافية، دون امتلاك صلاحيات حسم، كما أسهمت في دعم وتنظيم العمليات الانتخابية عبر تقديم المشورة الفنية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وإرسال بعثات تقييم ومراقبة دولية، وقدمت أيضاّ دعما لوجستياً وتقنياً خلال الانتخابية البرلمانية الخمس السابقة وصولا إلى الاستحقاق الدستوري السادس والأخير (2005-2025).
حقوق الإنسان.. توثيق مستمر وتأثير محدود
أصدرت يونامي عشرات التقارير التي تخص أوضاع السجون والاعتقال التعسفي، كما فتحت ملف المختفين قسرياً، وسلطت الضوء على الانتهاكات خلال الحرب ضد تنظيم داعش، وحماية الأقليات الدينية والعرقية.
تقارير البعثة شكّلت مرجعا دولياً للمنظمات الحقوقية ومجلس الأمن، غير أنها لم تكن تمتلك آليات تنفيذ أو سلطات مساءلة، فبقيت معظم التوصيات حبراً على ورق.
واجهت البعثة انتقادات من جهات ومنظمات دولية وحتى داخلية، لعدم قدرتها على ضمان العدالة للضحايا، إذ لم تكن لها صلاحيات الضغط الفعلي لمحاسبة المسؤولين عن ،العنف مثلا، في أحداث احتجاجات تشرين 2019 واعتبر ناشطون أن موقفها لم يواكب حجم الأزمة.
لكن خلال الفترة 2014–2017، وثّقت البعثة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها تنظيم داعش، ودعمت الجهود الدولية لملاحقة التنظيم قانونياً.
كما أنها ساهمت في تنسيق برامج إعادة الإستقرار وعودة النازحين، وبرنامج المصالحة المجتمعية، خصوصا في نينوى والأنبار وصلاح الدين.
لم تنجح البعثة في بناء ثقة واسعة مع الشارع العراقي، الذي رأى أنها معتكفة داخل برجها العاجي، فيما نظر إليها البعض على أنها محايدة أكثر من اللازم.
الدور الإنساني والتنموي
رغم أن يونامي ليست بعثة إنسانية بحتة، إلا أنها نسّقت عمل وكالات الأمم المتحدة في العراق، وساعدت في حشد التمويل الدولي لملفات الإغاثة وإعادة الإعمار، والعمل على دعم الحكومات المحلية، و ساعدت في حشد التمويل الدولي لملفات الإغاثة، وإعادة الإعمار، كما ساهمت في دعم الحكومات المحلية.
ما بعد يونامي
بانتهاء مهام البعثة، تستمر وكالات الأمم المتحدة (UNDP، UNICEF، WHO)وغيرها بالعمل في العراق.
تنتقل المسؤولية السياسية والحقوقية بشكل كامل إلى المؤسسات الوطنية.
و بهذا يُغلق فصل أممي طويل، غير أن تقييم تجربة يونامي يبقى مفتوحاً بين من يراها ضرورة انتقالية، ومن يعتبرها فرصة لم تحقق كامل أهدافها.
المصدر: رووداو