من القيادات الكردية الشابة ادريس نيجيرفان بارزاني عزم واعتزام

خاص لموقعhiwar/ قاسم شفيق الخزعلي:ادريس نيجيرفان بارزاني، الاسم الذي بدأ يتردد في الحياة العامة الكوردية والعراقية في السنوات الأخيرة، لا يظهر بوصفه امتداداً عابراً لأسرة سياسية، بل كصوت مدني يحاول أن يترك بصمة عملية في مجتمع يعيش تحولات عميقة. في المشهد الكوردي، حيث تتداخل السياسة مع المجتمع، وحيث تترابط السلطة بالعائلة والرمزية التاريخية، يبرز إدريس كوجه جديد، يحمل في ملامحه مزيجاً من إرثين: إرث والده نيجيرفان بارزاني الذي ارتبط بالاعتدال والانفتاح والحضور القريب من الناس، وإرث جده إدريس بارزاني الذي اشتهر بالعمل الاجتماعي والسياسي المبكر في قلب الحركة التحررية الكوردية. بين هذين الإرثين يحاول الشاب أن يشق مساراً يخصه، لكن عبر أدوات مختلفة، تركز على المجتمع المدني والثقافة والبيئة، أكثر من تركيزها على الشعارات السياسية أو المناورات الحزبية.

سبتمبر 19, 2025 - 17:14
من القيادات الكردية الشابة ادريس نيجيرفان بارزاني عزم واعتزام

المبادرة التي أطلقها للمشاركة في صناعة سور اخضر لاربيل/ هولير  في محيط  وداخل واطراف مدينة أربيل لم تكن حدثاً عادياً، ضمن نشاطاته ، بل إشارة رمزية إلى الطريقة التي يفكر بها. الزيتون هنا ليس مجرد نبات يملأ فراغات خضراء في أطراف المدينة، بل علامة على السلام والديمومة، ورغبة في ربط المجتمع بمشروع طويل الأمد يتجاوز دورة سياسية أو موسماً انتخابياً. مبادرات التشجير عادة ما ينظر إليها كأفعال جانبية، لكن في سياق كوردستان التي تعاني من تراجع الغطاء النباتي، وارتفاع نسب التلوث، وضغط التوسع العمراني، تكتسب هذه الخطوة معنى مضاعفاً. لقد اختار إدريس أن يضع بصمته الأولى في المجال الذي يمس حياة الناس بشكل مباشر، حيث الهواء الذي يتنفسونه، والمساحات التي يعيشون فيها.

لكن قراءة نشاطه لا تقف عند حدود البيئة. الرجل ينشط في مجالات متعددة، يتوزع حضوره بين الثقافة والرياضة والعمل الخيري. في الفعاليات الثقافية يظهر داعماً للشباب، مساهماً في تشجيع المبادرات التي تسعى إلى إعادة الاعتبار للهوية الكوردية في أشكالها الحديثة، عبر الأدب والفنون والموسيقى. وفي ميادين الرياضة يولي اهتماماً بفرق الناشئين والمبادرات الشبابية، باعتبار الرياضة أداة لتقوية الروابط المجتمعية وصناعة هوية جديدة لجيل خرج من ويلات الحروب والصراعات. وفي العمل الخيري يركز على دعم العائلات الفقيرة، وبرامج تمكين النساء، ومشاريع التعليم التي تستهدف القرى والمناطق النائية، إدراكاً منه أن الفجوة بين أربيل كمركز حضري متطور وبقية مدن وبلدات كوردستان قد تتحول إلى عائق أمام أي مشروع مستقبلي للتنمية.

اللافت كما وجدت من تحليل شخصيته القيادية الشابة  انه  لا يكتفي بالحضور الرمزي، بل يحاول أن يدير هذه الأنشطة بطريقة مؤسسية، عبر شراكات مع منظمات مدنية داخلية وخارجية. علاقاته مع منظمات بيئية وثقافية أوروبية وأمريكية تعكس فهماً بأن كوردستان، لكي تنهض، تحتاج إلى بناء جسور مع العالم، لا الاكتفاء بدور الضحية أو المتلقي. لقد استطاع أن يستثمر اسمه وموقعه ليفتح الأبواب أمام هذه المنظمات للعمل في أربيل والسليمانية ودهوك، مقدماً نفسه كوسيط يسهل التواصل، ويمنح مصداقية للمشاريع الدولية في عيون السلطات المحلية. هذه القدرة على الربط بين الداخل والخارج ليست أمراً شائعاً بين أبناء النخب السياسية، إذ يكتفي كثير منهم بالجلوس في دائرة السلطة الضيقة.

السيد إدريس يتحرك في مساحات أخرى، مثل الإعلام والثقافة الرقمية، حيث يسعى لدعم منصات شبابية تقدم محتوى بلغات متعددة، موجهة لجمهور كوردستان والمهجر معاً. الهدف هنا ليس الدعاية السياسية، بل صناعة سردية حديثة تعكس صورة مجتمع يريد أن يتجاوز الحروب والانقسامات، ويتبنى قيماً مرتبطة بالحداثة والبيئة وحقوق الإنسان. في هذا السياق، يبدو أنه يستعيد ما بناه والده نيجيرفان من صورة “القائد المنفتح” على العالم، مع لفة كمثل ابيه اكثر قرباً إلى الجيل الجديد الذي يعيش على وسائل التواصل ويتابع ما يجري في العالم في اللحظة ذاتها.

التحقيق في شخصيته يبين أنه يسعى إلى التماهي مع رؤية جده إدريس بارزاني، الرجل الذي ارتبط اسمه بالعمل الميداني في بدايات الحركة الكوردية، حيث كان يركز على تماسك المجتمع أكثر من انشغاله بالمناورات العسكرية والسياسية. جده اشتهر بقدرة على بناء روابط اجتماعية واسعة، والاقتراب من الفئات البسيطة، وهذه السمة يحاول الحفيد أن يعيد إنتاجها، لكن في ظروف مختلفة، حيث المعركة لم تعد في الجبل والسلاح، بل في الفضاء المدني والتنموي والثقافي.

الأنشطة التي يقودها لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الذي يعيش فيه. إدريس ينتمي إلى عائلة تحمل إرثاً ثقيلاً من التوقعات، وكل خطوة يقوم بها تخضع لعين المراقبة. لكنه بدلاً من أن يندمج في الإطار الحزبي التقليدي، اختار أن يفتح مساراً مدنياً يجنبه التورط المباشر في الصراع السياسي. هذه الاستراتيجية في الواقع محاولة واعية لبناء رصيد مختلف، رصيد يقوم على خدمة المجتمع بشكل مباشر. في بلد يعاني من فقدان الثقة بين الناس والسياسة، يختار أن يعيد بناء هذه الثقة من الأسفل، عبر مشاريع ملموسة يمكن قياس أثرها.

وذلك هو ادريس كمثل ابيه نيجيرفان بارزاني وجده ادريس رجل قدم من القيادة للقيادة...