العالم سينما.. ذكرياتٌ ومشاهدات.
خاص لموقعhiwar/ احمد العتبي: امتلكتُ الشغفَ بالافلامِ مُذ كنت صغيراً ، تولّد لديّ حبُّ الأفلام بمؤثراتٍ من داخل الأسرة ، ومن خارجها أيضاً. أذكرُ أن إدارة مدرستي ، "مدرسة بغداد الإبتدائية المختلطة" في منطقة "الداوودي" بكرخ بغداد ، قد خططت لزيارة إحدى دور العرض السينمائي في العام (1994) ، كان عمري وقتذاك عشرة أعوام ، وتم ذلك فعلاً في سفرة مدرسية شاهدنا فيها فيلم الملك غازي الذي انتجته دائرة السينما والمسرح العراقية بدايات عام (1993). وكانت تلك السفرة بالنسبة لي حُلُماً مُنتَظراً تحقق .. عدتُ من السفرة احكي لوالدَيَّ وعمّتي المقربة المعلمة الفاضلة "وهبية محيسن حبيب" ، معلمة اللغة الانكليزية التي كانت دوماً ما تشجّعني على كلّ فضيلة ، وتحيطني بعطفها ونصحها واهتمامها.
كنت أتابعُ برنامج "سينما الاطفال" لمقدمته الجميلة "نسرين جورج" الذي تغير اسمهلاحقاً إلى "سينما الصغار" لشمول فئات اليافعين بالأفلام المعروضة وقتذاك. كماامتلكتُ خيالاً سينمائياً ، او لنقُل تصويرياً ، إذ كنت أتخيّل كل التفاصيل التي أقرؤها فيرواية أو نثرٍ أو شعر.
الأسباب التي تجعلنا نشاهد الأفلام وتزيد اهتمامنا بالسينما معقدة ومتعددة الأوجه ،وهي تختلف من شخص لآخر. ومع ذلك ، هناك بعض الأسباب العامة التي تجعل الأفلامأجزاءً مهمةً من ثقافتنا.
أحد أسباب مشاهدة الأفلام هو الترفيه. تسمح لنا الأفلام بالهروب من روتيننا اليوميوتمكننا من الانغماس في عالم مختلف. يمكن أن تجعلنا نضحك أو نبكي أو نشعربالخوف ، أذكرُ أنّ واحداً من أهم الأفلام من عقد التسعينيّات كان يشغلنا في المدرسةهو "اللعبة، تشاكي" ، بأجزائه للأعوام (1998,1991,1990) ، أو نختبر مجموعة منالمشاعر التي قد لا نواجهها في حياتنا اليومية ، كمثل فيلم "الميل الاخضر" عام(1999) الماخوذ عن رواية "ستيفن كينغ" بالاسم نفسه. يمكن للأفلام أيضًا تزويدنابتجربة مشتركة ، حيث نشاهدها مع الأصدقاء أو العائلة ونناقشها بعد ذلك "سبيسجام" و "القناع" عامي (1996) و (1994) ، لقد مكنتنا تلك الأفلام من استعمال طُرفِهاومواقف ابطالها كحكاياتٍ ومرويّاتٍ نزيّن بها أحاديثنا اليومية ومجالسنا مع الأهلوالاصدقاء.
سبب آخر لاهتمامنا بالسينما هو أن الأفلام يمكن أن تكون شكلاً قوياً من أشكال الفن. يمكن للأفلام سرد القصص ونقل المشاعر واستكشاف الموضوعات والأفكار المعقدةبطريقة يسهل الوصول إليها وجذابة ، فيلم "القاريء" عام (2008) الحاصل علىالاوسكار ، على سبيل المثال ، على الرغم من قصته الرومانسية المبتكرة ، كان نقطةانطلاقةٍ كبرى لي لفهم الهولوكوست ، وبالتالي البحث عن أسباب وآليات وتداعياتالتصفيات العرقية لليهود على عهد ألمانيا النازية.
يمكن للأفلام أن تتحدى معتقداتنا وتجعلنا نفكر في العالم بطرق جديدة كمثل فيلم"PK" الملهِم الذي انتجته "بوليود" عام (2014).
كما تحفزّنا الأفلام للتفكير في الحياة والموت والحب والفراق، ومنها فيلم "The Notebook" عام (2004) الذي طالما تكلّمتُ عنه في نقاشاتي مع اصدقائي، بخاصةصديقي "إيهاب الحبوبي" الذي يعشق هذا الفيلم حدّ العشق. وكنت أعيش مشاعرمتناقضة في كل مرةٍ أشاهده فيها.. الأفلام أيضاً تحرك خيالاتنا في إطار حلم الانسانبالأبدية والخلود كفيلم "The age of Adaline" الصادر عام (2015) الذي أبكاني هوالآخر وأضحكني وأفرحني وأحزنني في الوقت ذاته.
يمكن للأفلام أيضاً إلهامنا وإعطائنا شعوراً بالأمل والتفاؤل كفيلم والت ديزني "UP" عام(2009) ، و "طعام، صلاة، حب" عام (2010)، وثلاثية "بريدجيت جونز" للاعوام(2016,2004,2001).
يمكن أن تكون الأفلام أيضاً وسيلة لفهم الثقافات ووجهات النظر المختلفة ، يمكنهانقلنا إلى أجزاء مختلفة من العالم وتعريفنا بأشخاص وعادات قد لا نواجهها في حياتنااليومية.، فيلم "coco" للعام (2017) من ديزني مثالٌ رائع لذلك ، هو فيلم عائلي ،حاصلٌ على الاوسكار ، يدور حول مناسبة "يوم الموتى" في "المكسيك" يدور حول حظرعائلة الفتى "ميغيل" للموسيقى عبر اجيالٍ طويلة ، ويغيّر الكثير من آرائنا ومفاهيمناويقدّم لنا ثقافة المكسيك على طبقٍ من ذهب. ومثله فيلم "Devdas" الهنديل"شاروخان" والحسناء "أشواريا راي" عام (2002) الذي يعكس ثقافة الأمة الهنديةبشكلٍ رومانسي آسرٍ في دراما ليس لها مثيل.
علاوة على ما تقدّم ، الأفلام تساعدنا في تطوير التعاطف والتفاهم للأشخاصالمختلفين عنا كمثل فيلم "12 years a slave" عام (2013) ، الذي يناقش قضيةالعبودية في "الولايات الامريكية المتحدة" خلال أواسط القرن السابع عشر ، ونال ثلاثجوائز اوسكار ومئات الجوائز العالمية.
والافلام نوافذ على تجارب الآخرين ، كفيلم "The Social Network" الذي شاهدنا عام(2010) خلاله قصة "مارك زوكربيرغ" في تأسيس فيسبوك.
أخيراً ، الأفلام وسيلة لاستكشاف هوياتنا وخبراتنا. يمكنها أن تعكس نضالاتنا وتحدياتنا. وأن تساعدنا في فهم حياتنا وخبراتنا ، وتوفر لنا إحساساً بالاتصال بالآخرين الذينيشاركوننا تجارب مماثلة.
بشكل عام ، تعتبر الأفلام والسينما مهمة بالنسبة لنا لأسباب متنوعة ، ولا تزال تشكلأجزاءً مهمةً من ثقافتنا وحياتنا ونظراتنا للماضي والحاضر والمستقبل. ونماذج أفلاميالتي أحبها يصعبُ حصرها في مقالٍ أو اثنين ، هي بالنسبة لي حيواتٌ جديدة أعيشها معأبطالها ، كالكتبِ تماماً ، هذه أقرؤها وأتخيل ما فيها ، وتلك اشاهدها وأتخيلُ كيفكتبَها كتّابها وما الظروف التي مرّوا بها عند كتابتهم إياها ، وكيف كان شكل النص الأصليقبل إضافة السكريبت الخاص بالفيلم.. فالكتب سينما والحياة سينما ، والسينما كتبوالسينما حياة.
------
*احمد العتبي، روائي وكاتب وناقد سينمائي من العراق، له روايتا:" وردي" و" يقين"، وله مقالات متعددة في نقد وتحليل الافلام العراقية والعربية والعالمية وكشف رمزياتها وتفسير مضمراتها.