مؤتمر إدارة الأوقاف الكنسية... صون للهوية ورسالة للمستقبل

مايو 29, 2025 - 10:59
مؤتمر إدارة الأوقاف الكنسية... صون للهوية ورسالة للمستقبل

بقلم: لينا بنيامين داود

منذ أن استقرّت بي الحياة في إقليم كوردستان قبل ثلاثة عشر عامًا، وأنا أعيش شعورًا عميقًا بالأمان والانتماء، كامرأة مسيحية وسط مجتمع متعدد الهويات، لكنه موحد في احترام الآخر. في هذه الأرض، لا نشعر أننا غرباء، بل نحن جزء من نسيج غني بالألوان، تُنسَج خيوطه يومًا بعد يوم من الاحترام، التسامح، والتعايش.

حين أُعلن عن مؤتمر إدارة الأوقاف الكنسية في الجامعة الكاثوليكية في أربيل يوم 26 أيار 2025، شعرت وكأن صوتنا يُسمَع أخيرًا بطريقة رسمية وواضحة. كان ذلك الحدث أكثر من مجرد مؤتمر أكاديمي أو ديني، كان مناسبة نادرة لتثبيت حضورنا كمكوّن أصيل في هذا الوطن، ومناسبة لمطالبة مستحقة بحماية إرثنا الروحي والثقافي.

 في كلمته خلال المؤتمر، عبّر فخامة الرئيس نيجيرفان بارزاني عن موقف مشرّف قائلاً: "مشاركتنا في هذا المؤتمر دليل على التزامنا الراسخ بدعم جميع المكونات، وخاصة المواطنين المسيحيين الذين يشكلون جزءاً أصيلاً من نسيج المجتمع وتاريخه المشترك في كوردستان." هذه الكلمات لم تكن مجاملة سياسية، بل كانت صدى حقيقيًا لما نعيشه، نحن المسيحيون في كوردستان.

 وأضاف الرئيس في تأكيدٍ لحقنا في إدارة ممتلكاتنا وأوقافنا: "ندعم بشكل كامل الإسراع في إصدار قانون خاص بالأوقاف المسيحية، بما يتوافق مع روح الدستور العراقي ويحمي تلك الممتلكات من أي انتهاك." كلامه هذا أشعرنا بأن صوتنا لا يُسمَع فقط، بل يجد صدى في نية سياسية حقيقية للحماية والتشريع.

واحدة من أكثر العبارات التي لامستني شخصيًا كانت حين قال: "الأوقاف المسيحية جزء من التراث الحضاري والثقافي والروحي، وضمان لاستمرار دور المسيحيين الحيوي في مجتمع كوردستان والعراق." هذا التأكيد على أن تراثنا ليس فقط ملكًا لنا، بل هو جزء من ذاكرة الوطن، يعزز شعورنا بالمسؤولية والانتماء في آنٍ واحد.

وكان لافتًا أيضًا تأكيده على أن: "القانون المقترح لإدارة الأوقاف المسيحية سيحمي ممتلكات الكنيسة، ويمنحها السلطة الكاملة في إدارتها، بما ينسجم مع عقائدها وتقاليدها، ويمنع أي تدخل أو انتهاك." هذه ليست مجرد وعود، بل خطوة قانونية حاسمة ننتظرها بفارغ الصبر، كي لا نبقى تحت مظلة قوانين عامة لا تراعي خصوصيتنا.

وفي ختام كلمته، قال الرئيس: "كوردستان ستبقى دائمًا موطنًا لجميع الأديان والقوميات، ومكانًا للتعددية والتعايش والقبول السلمي للآخر والتسامح." هذه العبارة، رغم بساطتها، تعني الكثير لنا كمسيحيين. إنها وعدٌ بأننا لسنا طارئين، ولا عابرين، بل شركاء في الحاضر وصُنّاع في المستقبل.

 إن هذا المؤتمر لم يكن فقط منصة حوار، بل كان مناسبة حقيقية لإعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والمكون المسيحي على أسس عادلة ومحترمة. لقد شعر الحضور أن الصوت الذي نرفعه منذ سنوات بدأ أخيرًا يُسمع، وأن وجودنا لا يُعامل على أنه استثناء، بل قاعدة أساسية في مجتمع تعددي متسامح. نحن لا نطلب امتيازات، بل عدالة. لا نطالب بعزل أنفسنا، بل بأن نُعامل وفقًا لما نؤمن به من قوانين وتقاليد وديانة.

 إن مؤتمر إدارة الأوقاف الكنسية لم يكن لحظة عابرة في أجندة سنوية، بل علامة فارقة في طريق طويل نسير فيه بثقة نحو تثبيت حقوقنا، وضمان وجودنا، وتعزيز مشاركتنا في بناء هذا الوطن الذي نحب.