نيجيرفان بارزاني قارئًا لثورة كولان فهم التاريخ وتفهّم الحاضر
خاص لموقع hiwar/اكرم طالب الوشاح( كبير باحثي مجموعة ادارة الازمة):في الذكرى التاسعة والأربعين لثورة كولان، أصدر رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني بيانًا سياسيًا وإحيائيًا، أبرز فيه البنية التاريخية لهذه الثورة بوصفها امتدادًا حتميًا لثورة أيلول، وركّز على دور الإرادة الشعبية في صناعة الاستمرار، لا فقط في المقاومة المسلحة، بل في حماية مكتسبات الحاضر.

البيان يُظهر قراءة مزدوجة للثورة: قراءة تاريخية تؤكد الجذور، وقراءة سياسية تعيد تموضع هذه الثورة في واقع كوردستان الراهن، بين ضرورات الحماية الدستورية ومخاطر الانقسام.
فيبدأ نيجيرفان بارزاني بيانه بتثبيت الجذر التاريخي للثورة، ويقول:
“لقد كانت ثورة كولان، باعتبارها امتداداً للثورة الكبرى في أيلول بقيادة البارزاني الخالد، نموذجاً فريداً للإرادة الشعبية التي لم ترضَ بالظلم والاحتلال يوماً”.
في هذا الفهم التاريخي:
• يعيد نيجيرفان بناء التسلسل الزمني لحركة التحرر الكوردية، من ثورة أيلول إلى كولان
• يربط الثورة الثانية مباشرة بـ”البارزاني الاب ”، أي الزعيم مصطفى بارزاني، رغم أن القيادة الميدانية في كولان كانت بيد الزعيم مسعود بارزاني
• بهذا الربط، يؤسس لتواصل رمزي بين الجدّ الثوري والابن والمؤسسة السياسية لحركة التحرر الكردية.
قراءة نيجيرفان هنا تُبرز نظرته إلى كولان كمؤسسة وطنية كوردية متكاملة، لا مجرد محطة عسكرية عابرة.
ويقول رئيس الإقليم:
“أكد شعب كوردستان مجدداً أنه مستعد للتضحية بكل شيء دفاعاً عن وجوده وحريته”.
هذا التأكيد لا يُعيد فقط تمجيد الفعل البطولي، بل يركّز على البُعد الوجودي للثورة:
• كولان لم تكن ردّ فعل سياسي على اتفاقية الجزائر أو نكسة أيلول
• بل كانت حركة مقاومة من أجل البقاء والهوية والحرية، في ظل محاولات المحو والتهميش
من وجهة نظر تحليلية، هذا الربط بين “التضحية” و”الوجود” يُظهر فهماً أعمق للثورات الكوردية كحركات دفاع ذاتي وجودي، وليست فقط مطالبات سياسية.
وهو بذلك يضع كولان في موقع “المقاومة الوجودية”، وهي أعلى أشكال الشرعية الأخلاقية في سرديات الشعوب المضطهدة.
ونيجيرفان بارزاني يستدعي الشهداء في وظيفة أخلاقية ووطنية فيقول:
“نستذكر بكل إجلال وفخر الشهداء الخالدين وجميع أولئك الأبطال والمضحين الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم في سبيل الحرية ضمن هذه الثورة العظيمة”.
الاستدعاء هنا ليس فقط طقسًا سياسيًا، بل بناء رمزي لوحدة الشعب حول تضحياته:
• تمجيد الشهداء يُسهم في توحيد الخطاب السياسي
• ويُستخدم كأداة لحماية المشروعية الحالية، من خلال القول إن السلطة الحاضرة هي نتاج لتضحيات الماضي
هذه الوظيفة الأخلاقية لإحياء ذكرى الشهداء تُحوّل الذاكرة إلى أداة سياسية، لكنها تُبقيها في الوقت نفسه فوق المساومات الحزبية، وهو ما يميز خطاب نيجيرفان مقارنة بخطابات سياسية أخرى أكثر مباشرة في التوظيف الحزبي.
وصولا في خطاب نيجيرفان لحماية الإرث… من الثورة إلى الدستور
فيقول :
“من واجب الجميع حماية إرث الشهداء والمكاسب الدستورية والفيدرالية، وأن نواصل الطريق الذي شقوه لنا بروح من الوحدة والتعاون”.
هذه الجملة تحوّل مضمون الثورة من البندقية إلى النصّ الدستوري:
• الثورة لم تعد سلاحًا مرفوعًا، بل نصًا محفوظًا في بنية العراق الجديد
• الربط بين الإرث الثوري والدستور العراقي يؤكد على التحوّل الاستراتيجي من الكفاح المسلح إلى النضال السياسي المؤسساتي
تحليلًا، نيجيرفان هنا يُوجّه خطابه إلى الداخل الكوردي والى بغداد في آنٍ معًا:
• إلى الداخل: لا شرعية بلا وحدة، ولا وحدة بلا تذكّر من صنعوا هذه اللحظة
• إلى بغداد: الثورة التي قاتلت الأمس، هي التي تفاوضت لصياغة الفيدرالية اليوم
وبالتالي ففي فلسفة نيجيرفان للتاريخ فهما وتفهما للحاضر وتفهيما يرى ان كولان كدافعٍ للمستقبل هي المقصودة بقوله:
“فلتكن ذكرى ثورة كولان دافعاً أكبر لنا نحو التلاحم والعمل المشترك من أجل مستقبل أفضل”.
الجملة الأخيرة في الخطاب تلخّص رؤية نيجيرفان للتاريخ:
• لا يُستدعى الماضي من أجل التمجيد فقط، بل من أجل استكمال المسار
• النضال الذي بدأ في الجبل، يجب أن يستمر في السياسة، في مؤسسات الحكم، في خطاب التفاهم لا التنازع
هذا يُبرز طابع نيجيرفان البارزاني كسياسي توافقي، واقعي يفهم التاريخ ويتفهمه في تجارب الحاضر ويقرأ الثورة بوصفها “أداة بناء” لا فقط “أداة مقاومة”، وهو ما يميز خطه السياسي عن بعض التيارات الكوردية الأخرى التي ما زالت تعتمد على استدعاء الماضي في صورته الصلبة.
ان السيد نيجيرفان بارزاني لا يكتب خطابًا تاريخيًا فقط، بل يعيد قراءة ثورة كولان من موقعه كصانع قرار ومهندس توازنات.
يرى في الثورة لا مجرّد صراعٍ ماضٍ، بل سردية تؤسّس للتماسك، للدستور، وللشرعية.
يُعيد تأويل كولان لتصبح، في وعي اليوم، عقدًا وطنيًا لا بد أن يُحترم، ويُحمى، ويُطوّر.
ثورة كولان في خطاب نيجيرفان بارزاني، ليست ذكرى، بل اختبار دائم للتاريخ في فهمه والحاضر في تفهمه.