جبل كردستان والرياح الباردة والساخنة: محاولة في الاجتهاد السياسي لفهم مستقبل الإقليم

خاص لموقع hiwar،د هوشيار مظفر علي أمين:على سفوح جبال كردستان، حيث التداخل المعقد بين الجغرافيا والسياسة، تهب رياح التغيير باردة وساخنة. مستقبل الإقليم يقف عند مفترق طرق، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية، التحديات السياسية الداخلية، والتحولات الجيوسياسية في العراق والمنطقة. هذه المقالة تحاول تقديم اجتهاد سياسي لفهم مستقبل كردستان ضمن عدة مسارات مترابطة: الحكومة الحالية والقادمة، البرلمان التصالحي، البيشمركة الموحدة، والتفاهم الاقتصادي والسياسي مع بغداد. وفي قلب هذه التحولات، يبرز دور السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس الاقليم ، الذي يقود المفاوضات العراقية والإقليمية والدولية لصياغة مستقبل الإقليم.

جبل كردستان والرياح الباردة والساخنة: محاولة في الاجتهاد السياسي لفهم مستقبل الإقليم

التوازن الهش: بين حكومة فاعلة وبرلمان تصالحي

الحكومة الكردية اليوم تواجه معضلة الحفاظ على الاستقرار السياسي في جوارها العراقي والاقليمي وسط بيئة معقدة. فالتحديات الاقتصادية وانخفاض عائدات النفط تضغط على الحكومة في أربيل لإيجاد حلول مستدامة. في المقابل، البرلمان الكردي يعكس انقسامات داخلية تعكس خارطة القوى المتغيرة وهو ما يديره السيد نيجيرفان.

والتوجه نحو برلمان تصالحي يمثل خيارًا استراتيجيًا لمواجهة تحديات المرحلة القادمة. فمن دون توافق سياسي بين الأحزاب الكردية الكبرى، ستظل قدرة الحكومة محدودة على تنفيذ إصلاحات حقيقية. وها هنا يأتي دور نيجيرفان بارزاني، الذي أظهر قدرة على الادارة والقيادة والحوار بين مختلف التيارات، محاولًا خلق توازن بين الأحزاب السياسية في الإقليم، وإدارة علاقات معقدة مع بغداد، إيران، وتركيا وسوريا والجوار الاقليمي الخليجي وماهو أكبر ذلك عالميا.

البيشمركة الموحدة: ركيزة الاستقرار أم نقطة ضعف؟

إحدى أكبر العقبات القديمة أمام بناء كردستان مستقر هي توحيد قوات البيشمركة، التي لا تزال منقسمة . على الرغم من جهود الإصلاح التي يقوم بها السيد نيجيرفان  ، فإن مسألة توحيد هذه القوات تبقى تحديًا استراتيجيا اشار له بقوله:   " نحن في إقليمكردستان لدينا عقيدة عميقة وراسخة بأن البيشمركة وقواتنا المسلحة الأخرى ينبغيومن الضروري أن تكون مؤسسة وطنية ومهنية مستقلة، وأن تكون بعيدة عن أيّ نوعمن أنواع الاختلاف والصراع السياسي والحزبي، وأن تكون تلك القوات تابعة للوطن،ولشعب كردستان بمختلف مكوناته".

وأي محاولة لخلق قوة كردية موحدة تتطلب توافقًا داخليًا، وهو ما يعتمد على قدرة القيادة الكردية على تقليل الخلافات الحزبية. في هذا الإطار، تعمل رئاسة حكومة الإقليم على خطط لإعادة هيكلة القوات. ونجاح هذه العملية سيعزز موقف كردستان التفاوضي مع بغداد وسيمنح الإقليم قدرة أكبر على الحراك في الإقليم المضطرب.

التفاهم مع بغداد: شراكة اقتصادية أم شراكة سياسية؟

العلاقات بين أربيل وبغداد لطالما تذبذبت بين التصعيد والتفاهمات المؤقتة. بعد سنوات من الأزمات، يبدو أن الطرفين يدركان أن الاستقرار الاقتصادي يتطلب نوعًا من التفاهم السياسي التشاركي المستدام. والنفط، كعنصر رئيسي في هذه العلاقة، يبقى النقطة الأكثر حساسية.

والحكومة العراقية تسعى لفرض سيطرتها على جميع صادرات النفط من الإقليم، بينما تحاول حكومة كردستان الحفاظ على  استقلالها الاقتصادي. الموازي لثقلها السياسي والدستوري، ومن ثم فالمفاوضات المستمرة التي يقودها نيجيرفان بارزاني تحاول إيجاد حلول وسط، مثل تقاسم العائدات وفق آلية مرنة تمنح كردستان مساحة من الاستقلال المالي دون مواجهة قطيعة سياسية مع بغداد.

ان نجاح هذا المسار يعتمد على قدرة كردستان على تنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على النفط، وهو ما يتطلب إصلاحات اقتصادية واسعة، وجذب استثمارات جديدة، وتطوير القطاعات غير النفطية مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا وجلب رؤوس الاموال كالاموال الخليجية على سبيل المثال التي تستقر في أمان كردستان.

ما بعد الأسد: حسابات كرد سوريا وتأثيرها على أربيل

التحولات في سوريا تفرض تحديات جديدة على كردستان العراق. مع تراجع نفوذ النظام السوري وتزايد الضغوط على الأكراد هناك، قد تجد أربيل نفسها أمام معضلة دعم الأكراد السوريين دون إثارة مخاوف تركيا أو الدخول في صدام مع القوى الإقليمية الأخرى.

والاستراتيجية الحالية لكردستان العراق تقوم على الحفاظ على توازن دقيق: بتقديم دعم سياسي محدود لكرد سوريا، دون الدخول في مواجهة مباشرة مع أنقرة أو إيران  أو دمشق. هذه المعادلة هي بعض استراتجيات السيد نيجيرفان في واقعيته السياسية.

التحولات الإقليمية: رياح ساخنة وباردة تهب على كردستان

المتغيرات الإقليمية تؤثر بشكل مباشر على مستقبل كردستان. فتصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل وامريكا بعد نهاية حرب غزة المؤقتة، والتغيرات في السياسات التركية، والايرانية كذلك، وتأثيرات الصراع الروسي الأوكراني على أسواق الطاقة، كلها عوامل تلعب دورًا في تحديد موقع كردستان الاستراتيجي كجبل أشم شامخ في الخارطة الإقليمية.

في ظل هذه التحديات، يبرز نيجيرفان بارزاني كمهندس للدبلوماسية الداخلية والخارجية الكردية، حيث يسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع القوى العراقية خاصة والإقليمية والدولية عامة. وزياراته المستمرة إلى العواصم الإقليمية، واتصالاته مع واشنطن وأوروبا، تعكس رؤية تحاول دمج كردستان في المنظومة الدولية دون التفريط باستقلالها النسبي.

المستقبل: أي كردستان في العقد القادم؟

السيناريوهات المحتملة لمستقبل كردستان تعتمد على هدف نيجيرفان والحكومة الكردية على تحقيق عدة توازنات:

الاستقرار الداخلي: تجاوز الانقسامات الحزبية وبناء مؤسسات قوية.

التفاهم مع بغداد: الوصول إلى صيغة شراكة اقتصادية وسياسية مستقرة.

إصلاح البيشمركة: توحيد القوات لتعزيز الأمن الداخلي وزيادة الاستقلالية.

الإدارة الاقتصادية: تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط وجلب الاستثمار خاصة الحلبجي.

التكيف مع المتغيرات الإقليمية: بتعزيز التحالفات دون الدخول في صراعات مباشرة.

•ما بعد ما سيتم  من اعلان اوجلان مشروعه ودعوته ، ومحاولات انهاء ازمة العمال الكوردستاني

وإذا تمكنت القيادة الكردية من إدارة هذه التحديات بحكمة الاستراتيجيات التي صاغها نبجيرفان امس واليوم للغد الكردي، فإن كردستان سوف تتحول إلى نموذج استقرار في منطقة مضطربة. ووسط اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية تحيط كردستان العراق، ومحاولة جهات معادية للكرد أن تعيد فتح ملفات الأزمات القديمة.

وهكذا الرهان اليوم ليس فقط على السياسة، بل على القدرة على بناء مؤسسات حديثة، وتعزيز حكم القانون، وترسيخ الاستقرار الاقتصادي كقاعدة لجبل كردستان الذي لا تهزه الرياح مثلما لم تهزه من قبل.