لماذا تستمرّ روح ثورة كولان حيّة بعد نصف قرن؟ تحليل منهجي لخطاب الرئيس مسعود بارزاني في الذكرى 49 لانطلاقة الثورة تحليل: د. زياد الصميدعي قاسم شفيق الخزعلي طالب كاظم سعداوي زين العابدين العوادي من: (مجموعة ادارة الازمة) باشراف د هوشيار مظفر علي امين.
تصدير في الذكرى التاسعة والأربعين لانطلاق ثورة كولان، أصدر الرئيس مسعود بارزاني بيانًا سياسيًا مكثّفًا جاء محمّلًا بدلالات تاريخية، وطنية، وقيمية، أعاد فيه تأكيد مركزية هذه الثورة في مسار الحركة التحررية الكوردية، وربط الماضي بالمستقبل من خلال استعادة مقوّمات الثورة الأولى ومبررات استمرارها حتى اللحظة الراهنة.

هذا الخطاب لم يكن احتفالًا رمزيًا بحدث مضى، بل إعادة تأسيسٍ للذاكرة السياسية، وتجديد شرعية للثورة، وتأكيد لقيادة بارزاني بوصفه الفاعل الأساسي في مشروع كولان منذ انطلاقته.
ثورة كولان امتدادٌ تاريخي من أيلول إلى الدولة
يؤكد الرئيس بارزاني في مطلع خطابه أن:
“ثورة كولان هي واحدة من أهم محطات المقاومة والنضال لشعب كوردستان، وامتدادٌ مُحمَّلٌ برسائل وأهداف ثورة أيلول العظيمة”.
هذا التصريح يربط كولان مباشرة بثورة أيلول، التي قادها والده الملا مصطفى بارزاني، بوصفها المرحلة التأسيسية الأولى للمشروع القومي الكوردي المعاصر.
التحليل هنا يُظهر محاولة بارزاني دمج التجربتين في تسلسل زمني متّصل، حيث لا تنفصل كولان عن أيلول، بل تُكمّلها وتطوّر أدواتها، وهو بذلك يحصّن شرعية كولان من أي تشكيك، بوصفها الوريثة الشرعية للثورة الأصل.
هذا الامتداد التاريخي يخدم غرضًا سياسيًا مركزيًا: تثبيت مشروعية القيادة البارزانية من جيل المؤسس إلى جيل القائد الميداني والمفاوض لاحقًا.
الثورة كقرار إرادي لا كردّ فعل ظرفي
يقول السيد مسعود بارزاني:
“تم إيقاد شرارة ثورة كولان عبر خطة تنظيمية وعسكرية دقيقة وبإرادة قوية رغم الظروف غير المواتية”.
العبارة تكشف عن ثلاثة مرتكزات استراتيجية:
• أن كولان لم تكن انفعالية، بل قائمة على تخطيط تنظيمي.
• أنها تأسّست في لحظة انعدام الدعم الإقليمي والدولي.
• أن جوهرها كان الإرادة، وليس فقط السلاح أو التحالفات.
في هذا المستوى، يتجاوز الخطاب القراءة الكلاسيكية التي تربط بين الدعم الإيراني السابق وثورة أيلول، ليؤسس لفكرة “الاعتماد على الذات” كإطار جديد للمقاومة. هذا يشكل تحوّلًا في فلسفة النضال الكوردي: من التبعية الإقليمية إلى بناء قرار مستقلّ داخل الجبل الكوردي نفسه.
مركزية الشعب والبيشمركة في بناء الاستمرار
في إحدى أبرز فقرات الخطاب، يذكر السيد بارزاني:
“قدّم شعبنا الكثير من التضحيات، وبذل العديد من البيشمركة الأبطال أرواحهم فداءً لكوردستان”.
هنا لا تقتصر البطولة على المقاتل فحسب، بل تمتد إلى المدنيين، النازحين، والمواطنين الذين صمدوا. هذه الرؤية تعكس بُعدًا جديدًا في الخطاب السياسي الكوردي: إشراك الجماعة الوطنية الكوردية في مشروع المقاومة بوصفها فاعلًا لا مجرد متلقٍّ للتضحيات.
من حيث التحليل السياسي، هذه الفقرة تؤسس لنموذج “المجتمع المقاوم”، وتُسهم في تثبيت هوية جماعية للثورة تجعلها أكبر من التنظيمات والأحزاب.
مقاومة الكسر كمنهج لا شعار
العبارة المفصلية في الخطاب:
“لقد أثبتت ثورة كولان للجميع أن إرادة النضال والكفاح من أجل الحرية التي يتمتع بها شعب كوردستان غير قابلة للكسر أبداً، بل ستبقى متوهجة دائماً”.
هذا الإعلان يحمل بعدين:
• الأول: وصف الثورة كفعل غير قابل للهزيمة، حتى لو تغيرت الظروف.
• الثاني: تقديم الثورة بوصفها طاقة دائمة لا تنطفئ، تتجاوز الزمان والمكان.
تحليل هذه العبارة في سياق تطوّر كوردستان بعد 2003، يشير إلى توظيف بارزاني للثورة بوصفها مرجعية أخلاقية في بناء النظام السياسي الكوردي. الثورة هنا لم تعد فقط أداة إسقاط النظام المركزي، بل صارت عنصرًا تأسيسيًا في تاريخية إقليم كوردستان العراق نفسه.
الشهداء كرموز مستمرة في الذاكرة السياسية
يختم الرئيس بارزاني خطابه قائلًا:
“نحيّي روح أول شهيد في الثورة، الشهيد سيد عبدالله حاجي أومراني… وكل المناضلين الذين سطّروا لشعبنا صفحات مشرّفة تستحق الفخر والاعتزاز”.
الاستدعاء الرمزي لأسماء الشهداء يهدف إلى:
• تثبيت الهوية التاريخية للثورة بالأسماء والوقائع.
• تأكيد أن النضال لم يكن مجرد قرار سياسي، بل تجربة جماعية دموية.
• ضمان استمرار الحضور السياسي للثورة في الذاكرة العامة من خلال الرموز.
هذا الاستخدام للرمز يعيد إنتاج الشرعية، ويحمي القيادة من التفكك الرمزي، ويجعل من ثورة كولان مرجعًا دائمًا لأي توجه سياسي قادم.
بارزاني وثورة كولان… قيادة تبدأ ولا تنتهي
خطاب الرئيس مسعود بارزاني لا يُقرأ كبيان احتفالي، بل كمشروع لتجديد الذاكرة السياسية الكوردية.
فيه يؤسس بارزاني تاريخيا لثورة كولان، لا كماضٍ بطولي، بل كإرث سياسي حيّ يستمر بعد نصف قرن.
ويضع نفسه، ليس فقط كقائد سابق لها، بل كحارس تاريهي لمعناها الاستراتيجي ومضمونها الوطني.
كولان، في هذا الخطاب، لا تعود إلى 1976، بل تمتد إلى الحاضر وتفرض سؤالًا واضحًا: ماهي الاستمرارية التاريخية لثورة كولان بعد تصف قرن؟
والجواب الذي توصلنا له: انها استمرارية التاريخ نفسه وكولان نموذج لذلك.
::::
::::