في طهران ومؤتمرها هناك نيجيرفان بارزاني متحدثا ومحاورا واستراتيجيا

زيارة نيجيرفان بارزاني إلى طهران للمشاركة في مؤتمر حوار طهران غدا وبعد غد، تمثل محطة استراتيجية في مسار حواراته الإقليمية والدولية، خاصة أنها تأتي في سياق تصاعد التوترات الإقليمية واحتدام الملفات السياسية والاقتصادية بين إيران والعراق. بارزاني، الذي بات يمثل رمزاً للتوازن بين بغداد وأربيل، اختار هذه المرة منصة إيرانية دولية ليعيد من خلالها طرح نفسه كمتحدث باسم العراق وكوردستان معاً، متجاوزاً بذلك الأطر التقليدية التي حصرت دور القيادات الكردية في الملفات الداخلية للإقليم.

مايو 18, 2025 - 19:33
في طهران ومؤتمرها هناك نيجيرفان بارزاني متحدثا ومحاورا واستراتيجيا

وعلى مدى السنوات الأخيرة، استطاع نيجيرفان بارزاني تحويل نفسه إلى واجهة سياسية تعتمد خطاباً متماسكاً يمزج بين الواقعية السياسية والبراغماتية الاقتصادية. زيارته الأخيرة إلى طهران لا تقتصر على حضور مؤتمر أكاديمي دبلوماسي فحسب، بل تحمل أبعاداً أعمق تتعلق بإعادة صياغة دور إقليم كوردستان ضمن المشهد الإقليمي. ففي حين ينظر البعض إلى مؤتمر حوار طهران كمنصة لتعزيز النفوذ الإيراني وتأكيد قدرتها على استقطاب قادة المنطقة، يبدو بارزاني معنياً بتقديم نفسه كوسيط يمتلك القدرة على قراءة المشهد السياسي الإقليمي وإعادة توظيفه لمصلحة كوردستان والعراق ككل.

فنيجيرفان بارزاني، الذي يرافقه وفد رفيع المستوى يضم شخصيات سياسية واقتصادية مؤثرة، يدرك أن خطابه في مؤتمر حوار طهران سيكون محط أنظار المسؤولين الإيرانيين ودوائر القرار السياسي في طهران. إيران التي تتعامل بحذر مع تعقيدات الوضع الداخلي في العراق، تنظر إلى إقليم كوردستان بوصفه ممراً استراتيجياً لتعزيز نفوذها في بغداد، وهو ما يحاول بارزاني استثماره عبر تقديم إقليم كوردستان كضامن للاستقرار الأمني والاقتصادي في العراق.

لكن ما يميز خطاب بارزاني في طهران ليس مجرد التركيز على الحوار أو الدعوة إلى التعاون الإقليمي، بل قدرته على إعادة تعريف دوره كقائد كردي عراقي يملك الشرعية الدستورية لتمثيل كوردستان، وفي الوقت ذاته يمتلك القدرة على التحدث باسم العراق في المحافل الدولية. في هذا الإطار، يمكن قراءة لقاء بارزاني المرتقب مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ضمن إطار أوسع يتجاوز البعد البروتوكولي التقليدي، ليشكل محاولة لتثبيت موقعه كصانع قرار إقليمي يستطيع المناورة بين المحاور المتصارعة دون أن يفقد ثقة بغداد أو طهران.

نيجيرفان بارزاني الذي سبق وزار طهران مراراً خلال العام الماضي، رسخ علاقاته مع القيادة الإيرانية في توقيت حساس شهد انتقال السلطة الرئاسية وتغير موازين القوى الداخلية في إيران. هذا الزخم الدبلوماسي المستمر يعكس استراتيجية بارزاني في الحفاظ على علاقة متوازنة مع طهران دون التضحية بالتحالفات الإقليمية الأخرى، خاصة مع الدول الخليجية وتركيا. وسط مباحثات ومفاوضات امريكا وايران اليوم وامس وغدا، وفي مؤتمر حوار طهران، سيسعى بارزاني لإعادة رسم هذه التوازنات وتوظيف حضوره لتأكيد التزام إقليم كوردستان بالحوار الإقليمي، مع التركيز على ضرورة أن يكون العراق – ومن خلفه كوردستان – شريكاً فاعلاً في معادلة الاستقرار الإقليمي.

في خطاب بارزاني المرتقب، ستحضر قضايا الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي بشكل بارز، وهي ملفات يدرك جيداً أنها تتقاطع مع المصالح الإيرانية والإقليمية. ولأن بارزاني يجيد انتقاء مفرداته بدقة، فمن المتوقع أن يوظف خطابه لإعادة تأكيد موقع كوردستان كإقليم متماسك سياسياً واقتصادياً وقادر على لعب دور محوري في أي ترتيبات إقليمية قادمة.

وفي تحليلنا سينجح بارزاني في استثمار حضوره في طهران لإعادة صياغة دوره كقائد كردي عراقي تتعامل معه إيران على أنه نقطة توازن إقليمي، وخطابه لن يكون  محصوراً في نطاق المجاملات الدبلوماسية بل هو خطاب رجل يعرف ما يقول في ميونخ وبكين وباريس وعمان وانقرة وطهران.