الراحل إدريس مصطفى بارزاني: إرث قائد شاب في الذكرى التاسعة والأربعين لثورة كولان التقدمية

مايو 26, 2025 - 14:08
مايو 26, 2025 - 14:31
الراحل إدريس مصطفى بارزاني: إرث قائد شاب في الذكرى التاسعة والأربعين لثورة كولان التقدمية

بقلم: سيروان عبد الكريم علي

سياسي وأكاديمي

بينما تُحيي كردستان ذكرى ثورة كولان التاريخية، التي انطلقت في السادس والعشرين من أيار عام 1976، نقف هنا لاستذكار إحدى شخصياتها البارزة: الراحل إدريس مصطفى بارزاني. وُلد عام 1944 في قرية بارزان بكردستان العراق، وبرز خلال أحلك مراحل النضال الكردي صوتًا مؤثرًا في المقاومة، ورمزًا للقيادة والتضحية. كان الراحل إدريس بارزاني من أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ الحركة الكردية، إذ كرّس حياته لخدمة القضية الكردية إلى جانب والده القائد الملا مصطفى بارزاني وشقيقه مسعود بارزاني. وعندما أدّت اتفاقية الجزائر في آذار 1975 بين شاه إيران وصدام حسين إلى نكسة مؤقتة في مسار ثورة أيلول، بدا وكأن النضال الكردي قد بلغ أحلك لحظاته. غير أن إدريس بارزاني، وفي لحظة بدا فيها الأمل بعيدًا، بدأ مع شقيقه الرئيس مسعود بارزاني في إشعال شرارة ما سيُعرف لاحقًا بثورة كولان.

 الرئيس مسعود بارزاني، الذي عايش عن قرب الصفات القيادية الفذّة للراحل إدريس بارزاني، تحدث بإسهاب عن قدرته اللافتة على إدارة تعقيدات قيادة شعب مشتّت، إلى جانب تنسيق المقاومة المسلحة في الوقت نفسه. وقد وصف في كتابه العلاقة التي جمعتهما بأنها كانت عميقة إلى حدّ أن الناس كثيرًا ما نظروا إليهما كتوأمين؛ روحان متحدتان في رؤيتهما لمستقبل كردستان. ولعل أبلغ تعبير عن هذا التقدير، أن الرئيس مسعود بارزاني منح الراحل إدريس لقبًا استثنائيًا رغم حداثة سنّه آنذاك، إذ نعته بـ"أبو الأمة" — وهو اعتراف صريح بنضجه المبكر وقدراته القيادية التي تجاوزت عمره بكثير.

 إن الشهادات المتكررة من الرئيس مسعود بارزاني حول المهارات القيادية للراحل إدريس بارزاني، تسلط الضوء على كيف نجح القائد الشاب في تحقيق توازن دقيق بين تحمّل المسؤولية الهائلة في رعاية آلاف اللاجئين، والحفاظ على البنية التنظيمية للحزب وقوات البيشمركة. تتعزز هذه الشهادة بقوة من قبل قادة كرد بارزين آخرين شهدوا على الطابع الاستثنائي للراحل إدريس بارزاني خلال ثورة كولان. مؤسس الاتحاد الوطني الكردستاني، إبراهيم أحمد، إلى جانب محمد ملا قادر والشهيد فرانسو حريري، جميعهم شهدوا على شجاعته الرائعة وكاريزمته خلال هذه الفترة الحرجة.

 إبراهيم أحمد (1914-2000)، مؤسس الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1975، شهد بنفسه على شخصية الراحل إدريس بارزاني خلال هذه الأوقات العصيبة. أحمد، الذي راقب العديد من القادة الكرد طوال مسيرته المتميزة كشخصية سياسية مثقفة، لاحظ أن الراحل إدريس بارزاني كان مستعداً لاستئناف أنشطة البيشمركة والأنصار دون تردد. وُرد عن السياسي المخضرم أنه قال ودموع في عينيه أن "عائلة بارزاني هنا للموت من أجل الأمة" - شهادة على الالتزام الثابت الذي ميز نهج الراحل إدريس بارزاني نحو التحرير الكردي.

الشهيد فرانسو حريري (1937-2001)، السياسي الآشوري-الكردي والعضو القيادي المخضرم في الحزب الديمقراطي الكردستاني، شهد على القيادة الاستثنائية للراحل إدريس بارزاني خلال ثورة كولان. شهد الشهيد حريري على الكاريزما والشجاعة التي أظهرها الراحل إدريس بارزاني أثناء قيادة ثورة كولان التقدمية في 26 أيار 1976. كما أن الراحل إدريس بارزاني تمكن من امتصاص ومعالجة معاناة آلاف اللاجئين مع إعادة تنظيم وحدات البيشمركة المتناثرة في الوقت نفسه. حتى وأبوه، البارزاني الخالد، راقد في المستشفى، ظل الراحل إدريس بارزاني ثابتاً في التزامه بدعم أولئك الذين نزحوا بسبب الحرب والاضطهاد. سيروي الراحل فرانسو حريري لاحقاً أنه لم يكن هناك أي من اللاجئين الذين زاروا الراحل إدريس بارزاني في خيمته غادروا دون تلقي الدعم المعنوي والمساعدة المالية. هذا الكرم في الروح، إلى جانب فطنته التكتيكية، جعل الراحل إدريس بارزاني منارة أمل خلال أحلك ساعات كردستان.

 رُبما عُبر عن التزام الراحل إدريس بارزاني الثابت بالقضية بأوضح ما يكون في رسالته إلى الرئيس مسعود بارزاني المؤرخة في 3 اذار 1975، حيث كتب: "إذا فشلنا في تحقيق حياة كريمة، فالنموت بكرامة." طوال الفترة الصعبة التي أعقبت ثورة أيلول، جسد الراحل إدريس بارزاني مبدأ عدم السماح للعدو حتى بلحظة واحدة من الرضا. سعيه الدؤوب للحقوق الكردية ورفضه قبول الهزيمة أصبحا من الخصائص المميزة لروح ثورة كولان. للأسف، توفي الراحل إدريس بارزاني في 31 كانون الثاني 1987، بسبب نوبة قلبية، عن عمر يناهز 43 عاماً. وفاته المفاجئ كان صدمة للمجتمع الكردي وقوات البيشمركة، ترك فراغاً بدا من المستحيل ملؤه. ومع ذلك، استمر تأثيره على السياسة الكردية وحركة التحرير في الصدى طويلاً بعد وفاته. عمل كل من الرئيس مسعود بارزاني والراحل إدريس بارزاني بلا كلل طوال الثمانينيات في تأسيس الجبهة الكردستانية سعياً لتوحيد مختلف الأحزاب السياسية الكردستانية، مما يدل على التزامه بالوحدة الكردية حتى نهاية حياته.

 بينما نحتفل بالذكرى التاسعة والأربعين لثورة كولان في 26 أيار 2025، نتذكر الراحل إدريس بارزاني  كقائد كردي شاب تحمل عبء تطلعات أمة بأكملها. بقراءة الروايات المحفوظة في السجلات التاريخية، بما في ذلك تلك المشار إليها في البحوث الحديثة مثل أبحاث حامد كوهري، نتذكر أن الراحل إدريس بارزاني مثل أفضل ما في القيادة الكردية: الشجاعة والرحمة والتفكير الاستراتيجي والالتزام الثابت برفاهية شعبه. يستمر إرث الراحل إدريس بارزاني في إقليم كردستان اليوم، حيث يواصل ابنه الرئيس، نيجيرفان إدريس بارزاني تقليد العائلة في خدمة الشعب الكردي. المؤسسات السياسية وروح المقاومة والالتزام بالحقوق الكردية التي تميز كردستان الحديثة تحمل جميعها بصمة مساهمات الراحل إدريس بارزاني خلال تلك السنوات الحاسمة لثورة كولان.