"سر الأسرار"... هل يكشف دان براون لغزه الأخير؟

"سر الأسرار"... هل يكشف دان براون لغزه الأخير؟

تصدر قريباً رواية جديدة للروائي الأميركي العالمي دان براون بعنوان "سر الأسرار"، وبدأت الرواية المرتقبة تثير جدلاً واسعاً منذ الآن، بين محبي براون الذين يترقبونها، وقد تصبح الحدث الأهم عام 2025.

ما الذي يجعلنا مشدودين إلى هذا الحد نحوالألغاز؟ ولماذا يستهوينا البحث عن الحقيقة حتى مفاصل العظام؟ لقد استحوذ الغموض علىالإنسان منذ فجر التاريخ، قبل أن يوظف حيرته أمام المجهول في قصص وحكايات، بدءاً من الملاحم القديمة كـ"الإلياذة" و"الأوديسة" إلى المسرح الإغريقي الذي كشف أسراراً رهيبة عما يختلج في الذات.

 ومع تطور الرواية في العصر الحديث برز أدب الجريمة والإثارة كأحد أكثر الفروع الأدبية جذباً للقراء، بخاصة الشباب، وعلى رغم النظرة التقليدية التي ترى في هذا النوع أدباً ترفيهياً، فقد أثبت قدرته على سبر أغوار النفس البشرية وتعقيدات المجتمعات، من إدغار آلان بو وأرثر كونان دويل إلى أغاثا كريستي وجون لو كاريه، الذي طوعه في "الجاسوس القادم من الصقيع" لفضح كواليس الحرب الباردة، حتى الجيل الحديث مع ستيغ لارسون وديفيد بالدتشي ودان براون.

برز اسم دان براون في هذا الجيل كواحد من أشهر كتاب الإثارة والتشويق عالمياً، إذ ترجمت أعماله إلى أكثر من 40 لغة، من بينها العربية، وأدرجته مجلة "التايم" ضمن قائمة أكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم. ولد عام 1964 في نيوهامبشير بالولايات المتحدة، ونشأ في بيئة تجمع بين العلم والفن، فكان والده أستاذاً للرياضيات، بينما كانت والدته موسيقية، وهو ما انعكس بوضوح في أعماله التي تمزج بين الدقة العلمية والإبداع الأدبي.

مع تطور أسلوبه، أعاد براون تعريف أدب الإثارة، فلم يعد يتمحور حول الإجابة عن سؤال "من القاتل؟"، بل أصبح رحلة معقدة ومتعددة الطبقات، يخوضها القارئ جنباً إلى جنب مع محققه البارع، روبرت لانغدون، متتبعاً شيفرات التاريخ والفن والدين، ومتنقلاً بين الفاتيكان وسراديب باريس، بحثاً عن إجابات قد تعيد تشكيل رؤيته للعالم.

نسخة محدثة من البطل

ظهر البروفيسور روبرت لانغدون للمرة الأولى في شيفرة دافنشي عام (2003)، وسرعان ما خطف عقول القراء بألمعيته في فك الشيفرات وحل الألغاز المعقدة، حتى بات من أكثر الشخصيات الأدبية شهرة في العصر الحديث. مع كل رواية كان براون يضيف طبقات جديدة إلى شخصيته، فجعله الثائر الذي يتحدى رجال الدين والسياسة في "ملائكة وشياطين"، ثم تركه يواجه معضلة علمية تهدد البشرية في "الجحيم"، الرواية التي استلهمت دانتي لفك رموز كارثة وشيكة، بينما وجد نفسه في "أصل" أمام سؤال وجودي مرعب عن مستقبل البشرية وسط طوفان التكنولوجيا.

واليوم في روايته المرتقبة "سر الأسرار" (The Secret of Secrets) يضع براون بطله أمام تحدٍّ أكثر غموضاً وإثارة من ذي قبل، نظراً إلى أن هذا العمل تحديداً كما يصفه كاتبه "أكثر رواياته تشابكاً وطموحاً حتى الآن".

تبدأ الأحداث في براغ، المدينة التي أعرب براون عن شغفه الشديد بها، مشيراً إلى أنها "متاهة من المواقع الغامضة وخلفية مثالية لمغامرة روبرت لانغدون"، من هنا يسافر أستاذ الرموز بجامعة هارفرد لحضور محاضرة تلقيها عالمة الذرة كاثرين سولومون، التي أوشكت على نشر كتاب يحوي اكتشافات مذهلة حول طبيعة الوعي البشري، قد تقلب قروناً من المعتقدات الراسخة رأساً على عقب. وقبل أن ترى هذه الأفكار النور تقع جريمة قتل وحشية، وتختفي كاثرين مع مخطوطتها، فجأة يجد لانغدون نفسه مطارداً في رحلة بحثه عن رفيقته، ليس فقط من منظمة غامضة تسعى إلى إخفاء الحقيقة، بل أيضاً من مهاجم مرعب نشأ من أساطير براغ القديمة.

يتوسع الفضاء الروائي عندما يضطر البطل إلى السفر إلى لندن ونيويورك، ويصبح البحث عن كاثرين سباقاً محموماً عبر العوالم المتشابكة بين العلوم المستقبلية والمعارف الباطنية، فما العلاقة بينهما؟ وماذا يقصد براون بسر الأسرار؟ هل نحن أمام طبقات من الغموض التي تخفي سراً أعظم، أم أن هناك سراً واحداً يحتضن كل الأسرار داخله؟

يحمل عنوان الرواية صدى نصوص قديمة ومغرية، لعل أبرزها كتاب "سر الأسرار" المنسوب إلى أرسطو، الذي كان دليلاً إلى الحكمة السرية في العصور الوسطى، مما يلمح إلى طموح براون في وضع روايته ضمن تراث طويل من الخيمياء، والمعرفة الباطنية، والرموز الدينية.

في تصريح له يخبرنا أن روايته الجديدة التي يترقب صدورها في خريف هذا العام كانت فرصة لاستكشاف اهتمامه الطويل بالعقل البشري، مضيفاً: "أعتقد أننا على أعتاب ثورة كبيرة في الطريقة التي نفكر بها في أدمغتنا وعلاقاتنا مع بعضنا بعضاً".

من الواضح أن سر الأسرار ستكون أكثر من مجرد لغز تقليدي، ما دام العقل يفكر في نفسه بنفسه، أهي محاولة لاستكشاف حدود المعرفة الإنسانية؟ ربما، لكن الأكيد أن الرواية لا تكتفي باستدعاء الرموز الغامضة والمؤامرات الخفية، بل تتجه هذه المرة إلى أعمق متاهة عرفها الإنسان، وبينما يتجول البروفيسور روبرت لانغدون في أزقة براغ الملتوية، قد لا يكون اللغز الحقيقي محفوراً في الأحجار القديمة، بل في أدمغتنا نحن، مما يجعلها من زاوية أخرى، امتداداً طبيعياً لمواضيع براون السابقة، كما يذكرنا بمقولة كارل يونغ "إن أعمق الأسرار ليست مخبأة في الكون، بل داخل عقولنا".