كيف نفهم إدريس بارزاني بعد أربعة عقود؟

بقلم: مصطفى محمد عبد الكريم باشراف: المؤرخ السيد الشيخ احمد عبد الكريم النعيمي الرفاعي (خاص لموقعhiwar) : المقدمة إدريس بارزاني يمثل رمزًا مركزيًا في تاريخ الحركة الكردية الحديثة، إذ جمع بين القيادة السياسية، والقدرة العسكرية، والفكر الاستراتيجي. بعد أكثر من أربعين عامًا على وفاته، يظل فهم دوره حجر زاوية لفهم مسار الحركة الكردية وتاريخ العراق الحديث. إن دراسة إدريس لا تقتصر على كونه شخصية نضالية، بل تتعداها إلى فلسفة سياسية متكاملة، ترتكز على المقاومة المنظمة، التفاوض العقلاني، وبناء مؤسسات كردستانية قوية.

أغسطس 14, 2025 - 12:43
أغسطس 14, 2025 - 12:44
كيف نفهم إدريس بارزاني بعد أربعة عقود؟

المرحلة الأولى: النشأة والتكوين السياسي (1944–1960)

ولد إدريس بارزاني في عام 1944 في عائلة بارزانية ذات حضور سياسي وعسكري بارز في كردستان العراق. البيئة التي نشأ فيها كانت مزيجًا من التقاليد القبلية والوعي الوطني، حيث تخللت طفولته المرويات عن مقاومة الاحتلالات السابقة، وتاريخ النضال ضد التهديدات الخارجية.

تحليل فلسفي:

الفكر النضالي المبكر: إدريس تعلم منذ صغره أن النضال ليس شعارات، بل تنظيم وإعداد.

الوعي الاجتماعي: تأثر بالحياة القبلية، لكنه تفوق على التقليدية عبر الاطلاع على السياسة الحديثة.

الأحداث التاريخية المؤثرة: النزاعات الإقليمية في الأربعينيات والستينيات، بما فيها دور عائلته في المقاومة ضد الحكومات المركزية العراقية، أعطته إدراكًا مبكرًا لضرورة الجمع بين القوة العسكرية والسياسة.

المرحلة الثانية: النضال العسكري والتجارب المبكرة (1960–1970)

في هذه الفترة، شارك إدريس في تنظيم صفوف المقاتلين الكرد ضمن الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما سمح له بتطوير مهارات القيادة العسكرية والإدارية. كان يرى أن المقاومة المسلحة جزء من استراتيجية أكبر لتحقيق حقوق الكرد، ولكنها لا تتحقق إلا من خلال تنظيم سياسي واجتماعي قوي.

تحليل فلسفي:

النضال المسلح المنظم: فلسفته تقوم على الانضباط وإعداد قيادات وكوادر، وضمان أن كل عملية عسكرية لها أثر سياسي واجتماعي.

التوازن بين القوة والسياسة: إدريس أدرك أن الانتصارات العسكرية وحدها لا تكفي؛ يجب أن تصاحبها رؤية استراتيجية واضحة.

أحداث كبرى مرتبطة: انتفاضات الستينيات ضد الحكومة العراقية، الاتفاقيات الجزئية مع بغداد، والتي بدأت تشكل قاعدة تفاوضية لاحقة.

المرحلة الثالثة: فلسفة التفاوض والقيادة السياسية (1970–1980)

شهدت هذه المرحلة تحولات مهمة في العراق والعالم العربي، ومع توقيع اتفاقيات حول الحكم الذاتي الكردي، برز إدريس كقائد تفاوضي قادر على إدارة الصراعات المعقدة مع بغداد والقوى الإقليمية.

تحليل فلسفي:

التفاوض الذكي: فلسفته تعتمد على تحويل التحديات إلى فرص لصالح الكرد، وتحقيق أكبر المكاسب الممكنة دون التفريط في الحقوق الأساسية.

القدرة على الموازنة: بين الطموحات الوطنية والواقع السياسي، إذ كان يدرك القيود الإقليمية والدولية.

أحداث كبرى مرتبطة: اتفاقيات الحكم الذاتي في السبعينيات، التعامل مع الأزمة الإيرانية-العراقية، وتأثير ذلك على الحركة الكردية.

المرحلة الرابعة: مشروع بناء كردستان (1980–1987)

مع تصاعد الصراعات الإقليمية والحرب العراقية الإيرانية، تحوّل تركيز إدريس إلى بناء مؤسسات كردية، وتعزيز الهوية الثقافية والتعليمية، مع استمرار النضال السياسي والعسكري.

تحليل فلسفي:

الرؤية الحضارية: إدريس رأى في الحركة الكردية مشروعًا حضاريًا يتجاوز النضال العسكري.

المؤسسات والهوية: دعم التعليم، الثقافة، والفكر الوطني.

التوازن بين الطموح والواقعية: إدريس سعى لإرساء أسس كردستان مستقرة وقوية، تراعي البيئة الإقليمية والدولية.

أحداث كبرى مرتبطة: الحرب العراقية الإيرانية، القمع الحكومي في العراق، محاولات بناء مؤسسات سياسية وثقافية كردية مستقلة.

إدريس بارزاني بعد أربعة عقود: قراءة في الإرث والتأثير

بعد حوالي أربعين عامًا على رحيله، يمكننا إعادة قراءة إدريس كمرجع لفهم الحركة الكردية. فلسفته النضالية تبرز ضرورة التنظيم والانضباط، وفلسفته التفاوضية تقدم دروسًا في إدارة الصراعات وتحويلها إلى مكاسب استراتيجية، ورؤيته لكردستان المبنية على مؤسسات قوية وثقافة وطنية مستمرة، تشكل نموذجًا دائمًا للأجيال الكردية القادمة.

إدريس بارزاني لم يكن مجرد قائد كوردي عراقي عسكري أو سياسي، بل مفكر استراتيجي وناظم للحركة الوطنية. إرثه يظهر في المؤسسات الكردية، في استراتيجيات القيادة، وفي الرؤية الشاملة لكردستان المستقلة والمتوازنة مع البيئة الإقليمية. فهم إدريس بعد أربعة عقود يعني فهم فلسفة الكفاح الكردي الحديث، وتجربة التوازن بين المقاومة الواقعية، والتفاوض العقلاني، وبناء فلسفة التاريخ الكردي الحديث لفهم معاصرة وارثيه في رجال مثل نيجيرفان بارزاني.