عن البارتي وذكراه امس واليوم وغدا

خاص لموقع hiwar/ د هوشيار مظفر علي امين:"لقد وقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، منذ يوم تأسيسه، في الصفوف الأولى بخنادق الدفاع عن الحقوق المشروعة لشعبنا، وضحى كثيراً، الى جانب القوى الكوردستانية الوطنية المناضلة ، من أجل حرية وكرامة شعبنا.
كما ناضل الحزب الديمقراطي الكوردستاني عبر سياسة صائبة وعادلة وصريحة، وحدد أهدافه الإستراتيجية، ومازال الى اليوم ملتزماً بنهج البارزاني كطريق صحيح للكوردايتي، ومازال يعتبر قدوة في الشعار والعمل". الزعيم القائد مسعود بارزاني (من رسالة له في الذكرى73 لتاسيس البارتي)

أغسطس 15, 2025 - 20:18
عن البارتي وذكراه امس واليوم وغدا

تأسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في 16 آب 1946 في مدينة مهاباد، على خلفية تحولات سياسية وإقليمية عميقة شهدتها المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. السياق الدولي حينها تميز بضعف القوى الاستعمارية التقليدية وصعود الحركات التحررية في آسيا وإفريقيا. بالنسبة للكورد، شكلت جمهورية مهاباد القصيرة العمر تجربة سياسية فارقة، وأرضية لظهور تنظيم سياسي قادر على التعبير عن تطلعات الأمة الكوردية في الحرية والحقوق القومية.

والقائد مصطفى البارزاني، الذي كان قد قاد الثورة البارزانية في ثلاثينيات القرن العشرين ضد سياسات الإقصاء والاضطهاد، وجد في البارتي إطارًا سياسيًا جامعًا، يوازن بين النضال المسلح والعمل السياسي المنظم. انضمامه للحزب وتوليه قيادته أعطى البارتي بعدًا قوميًّا وعسكريًا في آن واحد، وجعل منه مركز الثقل في الحركة الوطنية الكوردية.

ان مصطفى البارزاني لم يكن مجرد زعيم عسكري؛ بل كان رمزًا سياسيًا وفكريًا لحركة التحرر الكوردية. شخصيته القيادية، ورؤيته الواضحة لضرورة الجمع بين الكفاح المسلح والضغط السياسي، شكلتا الأساس الاستراتيجي لعمل البارتي لعقود لاحقة.

في مرحلة ما بعد انهيار جمهورية مهاباد، قاد البارزاني مسيرة اللجوء التاريخية إلى الاتحاد السوفيتي، والتي استمرت أحد عشر عامًا، حيث استطاع خلالها تطوير خبراته العسكرية والسياسية، والاطلاع على التجارب التحررية العالمية.

وعند عودته إلى كوردستان العراق في 1958 بعد سقوط النظام الملكي، أعاد البارتي تنظيم نفسه ليصبح الكيان السياسي الأوسع تمثيلًا للكورد، مستفيدًا من الشعبية الجارفة التي تمتع بها البارزاني الأب. قاد الحزب ثورة أيلول الكبرى (1961-1975) التي شكلت ذروة العمل التحرري الكوردي في القرن العشرين.

ومع ثورة أيلول، رسخ البارتي دوره كقائد للحركة التحررية الكوردية في العراق، وعمل على بناء مؤسسات سياسية وإدارية في المناطق المحررة، ما أسس لثقافة الحكم الذاتي قبل أن تصبح واقعًا رسميًا.

تميزت إدارة الحزب لهذه المرحلة بقدرة عالية على التفاوض مع الحكومات العراقية المتعاقبة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على قوة الردع العسكري.

رغم الانتكاسة التي مثلها اتفاق الجزائر 1975 وانهيار الثورة، حافظ البارتي على هيكله التنظيمي، وانتقل إلى العمل السري والمقاومة في الجبال، ما مهد الطريق لانطلاقة جديدة في ثمانينيات القرن العشرين، بالتنسيق مع القوى الكوردية الأخرى، لكن مع احتفاظه بالموقع القيادي.

وهكذا في السبعينيات والثمانينيات، برز دور إدريس البارزاني مع مسعود  بارزاني واجهة سياسية ودبلوماسية للبارتي. امتلك إدريس قدرة فريدة على التواصل مع القوى الدولية والإقليمية، ونقل القضية الكوردية إلى منصات القرار العالمي.

كان مسؤولًا عن إدارة العلاقات الخارجية للحزب، وبنى شبكة تحالفات استراتيجية مع قوى سياسية داخل العراق ومع أطراف دولية، خاصة خلال فترة ما بعد 1975 عندما كان العمل العسكري مقيدًا.

فإدريس لم يكن مجرد دبلوماسي؛ كان أيضًا وسيطًا بين الأجيال داخل البارتي، وحافظ على وحدة الصف الكوردي في ظروف غاية في التعقيد. وفاته المبكرة في 1987 شكلت خسارة كبيرة للحزب وللحركة التحررية.

ومثله فلقد تولى الزعيم الاب والقائد مسعود البارزاني قيادة الحزب في مرحلة بالغة الحساسية. واجه تحديات جسيمة، منها استمرار القمع البعثي، وحرب الأنفال التي استهدفت الكورد بالإبادة الجماعية.

فقاد البارتي إلى المشاركة الفاعلة في الانتفاضة الشعبية عام 1991، والتي مهدت لقيام إدارة كوردية ذاتية في الإقليم تحت الحماية الدولية.

ومنذ ذلك الحين، استطاع مسعود البارزاني قيادة الحزب من ساحة الكفاح المسلح إلى ساحة العمل السياسي والمؤسساتي، محافظًا على إرث مصطفى البارزاني، ومحولًا البارتي إلى حزب يقود حكومة إقليم كوردستان، ويشارك بفاعلية في العملية السياسية العراقية بعد 2003.

اليوم، في هذا العام 2025م، يحتل البارتي موقع الحزب الأول في إقليم كوردستان من حيث عدد المقاعد البرلمانية، وقوة التنظيم، والانتشار الشعبي.

فساهم في ترسيخ مؤسسات الحكم الذاتي، وبناء بنية تحتية اقتصادية، وتعزيز العلاقات الخارجية للإقليم، مع الحفاظ على موقعه كمدافع عن الحقوق القومية للكورد في إطار العراق الفيدرالي.

ونجد إدارته للحركة التحررية الكوردية لم تتوقف مع الانتقال إلى الحكم، بل أخذت شكلًا جديدًا يعتمد على الدبلوماسية، والاستثمار في القوة الاقتصادية والسياسية للإقليم، مع الاحتفاظ بالجاهزية العسكرية عبر قوات البيشمركة.

ولعل واحدة من أهم إنجازات البارتي خلال العقود الأخيرة هي قدرته على التوفيق بين الهوية الكوردية والانخراط في الإطار السياسي العراقي والدولي.

عمل على تعزيز اللغة الكوردية، ودعم الإنتاج الثقافي، وحماية الموروث التاريخي للشعب الكوردي. كما تبنى سياسة الانفتاح على المكونات الأخرى في الإقليم، ما ساعد على استقرار داخلي نسبي.

من منظور الاجتهاد في البارتي وسبق وكانت رسالتي للماجستير عنه، يمكن القول إن البارتي قدم نموذجًا نادرًا في المنطقة لحركة تحرر وطني استطاعت التحول إلى قوة حاكمة دون أن تفقد جوهرها النضالي وتلك من جهود الزعيم مسعود البارزاني.

هذا الانتقال لم يكن سهلًا، لكنه تحقق بفضل قيادة  يجسدها اليوم الزعيم مسعود ومن معه متعاقبة حافظت على وحدة الهدف، وامتلكت القدرة على التكيف مع التحولات الإقليمية والدولية.

ذكرى البارتي هي ذكرى الكرد وكردستان...

يقول نيجيرفان بارزاني في الذكرى 77 للبارتي:

"إن مسؤوليات الحزب الديمقراطي الكردستاني اليوم تاريخية جسيمة بحجم تاريخهوعظمته وتضحياته، لذا عليه كما هو دائماً أن يضطلع دائماً بمهامه ومسؤولياته إلىأقصى الحدود ويكون الجامع للكل والمبادر للحل وتجاوز المشاكل والأزمات والحاميوالنبراس للتلاحم ووحدة الصف والتكاتف وقبول الآخر والمعين على كل هذا، ويمارسدوره الفاعل والمؤثر في حماية الحرية والديمقراطية والحقوق والمكاسب الدستوريةلشعب كردستان وفي ترسيخ النظام الاتحادي."

::::

::::