إدريس البارزاني: القائد التحرري ورؤيته التاريخية للنضال الكردي
بقلم: جواد كاظم محمد:ولد السيد إدريس مصطفى البارزاني عام 1944 في كردستان العراق، ضمن عائلة كرست حياتها للنضال القومي الكردي. كان والده، الزعيم مصطفى البارزاني، قائدًا تاريخيًا للحركة التحررية الكردية وشخصية ملهمة للنضال من أجل الحقوق الكردية في مواجهة السياسات القمعية. ترعرع إدريس في أجواء الكفاح السياسي والعسكري، حيث شكلت هذه البيئة المليئة بالصراعات والانتصارات دروسًا مبكرة صقلت وعيه ومهّدت له طريق القيادة.

نشأته وتأثير والده
عاش إدريس طفولته في ظل الصراعات التي خاضتها عائلته ضد الحكومات المركزية في بغداد. وفي عام 1947، نُفي والده إلى الاتحاد السوفيتي بعد انهيار جمهورية كوردستان في مهاباد الكردية، مما جعل القضية تعيش حالة من الشتات السياسي. هذه التجارب المبكرة تركت أثرًا عميقًا في شخصية إدريس، الذي أصبح يرى في النضال سبيلًا لتحقيق الكرامة القومية والحرية السياسية لشعبه.
رغم هذه الظروف الصعبة، أدرك إدريس أهمية التعليم والمعرفة في بناء شخصية القائد. تابع تعليمه في المنفى، حيث اكتسب مهارات القيادة والتواصل التي أهّلته للعب دور فعال في الحركة الكردية لاحقًا.
دوره في قيادة الحركة التحررية الكردية
برز السيد إدريس البارزاني كقائد سياسي وعسكري محنك مع أخيه القائد السيد مسعود البارزاني وبقية البيشمركة في فترة الستينات والسبعينيات، عندما اشتدت المواجهة بين الحركة الكردية والحكومة العراقية. تولى إدريس دورًا مركزيًا في تنظيم قوات البيشمركة وإدارة الصراع العسكري، والتخطيط في البارتي إلى جانب تطوير رؤية سياسية شاملة للحركة الكردية.
تجلى دوره القيادي بشكل واضح خلال انتفاضة عام 1974، التي جاءت ردًا على تنصل الحكومة العراقية من اتفاقية الحكم الذاتي التي أُبرمت عام 1970. كان إدريس يؤمن أن النضال الكردي يجب أن يرتكز على ثلاث ركائز رئيسية:
1. الوحدة الوطنية والعراقية: سعى إدريس لتوحيد الصفوف الكردية ومنع الانقسامات الداخلية التي كانت تهدد استقرار الحركة.
2. الشرعية الدولية: أدرك أهمية كسب الدعم الدولي والإقليمي للقضية الكردية، وعمل على بناء اتصالات سياسية مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي دون الخضوع لاحدى القوتين.
3. المؤسساتية: ركز على إنشاء هياكل إدارية وتنظيمية داخل كردستان وداخل البارتي لضمان استدامة النضال، سواء على المستوى العسكري أو السياسي.
رؤيته التاريخية للنضال
امتلك إدريس البارزاني رؤية تاريخية متعمقة لطبيعة الصراع الكردي. كان يرى أن النضال المسلح، رغم ضرورته في بعض الأحيان، ليس كافيًا لتحقيق الحقوق القومية. اعتقد أن الحلول السياسية والدبلوماسية يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الحركة.
كانت رؤيته تقوم على قراءة دقيقة للتاريخ الكردي، الذي تميز بمحطات من النهوض والانكسار. تعلم إدريس من الماضي، حيث أدرك أن غياب الوحدة الداخلية والانقسامات السياسية كانت السبب الرئيسي في إضعاف الموقف الكردي أمام الحكومات المختلفة. لذلك، عمل على تعزيز الوحدة بين مختلف الفصائل الكردية، معتقدًا أن الاستقرار الداخلي هو حجر الأساس لتحقيق الأهداف الكبرى.
كما كان لديه فهم واضح لدور العوامل الدولية والإقليمية في القضية الكردية. كان يؤمن أن موقع كردستان الاستراتيجي يجعلها محورًا للصراعات بين القوى الكبرى، مما يتطلب من القيادة الكردية التحلي بالمرونة والحنكة السياسية في التعامل مع هذه المعطيات.
وحدد سمات استراتيجية للبارتي برؤية سياسية واستراتيجية.
إرثه وتحدياته
واجه إدريس تحديات هائلة خلال مسيرته، بما في ذلك الضغوط العسكرية والسياسية من قبل الحكومة العراقية، والانقسامات داخل الواقع الكردي، والظروف الإقليمية المعقدة. ورغم ذلك، تمكن من ترسيخ إرثه كقائد يتمتع بالحكمة والقدرة على استشراف المستقبل.
توفي إدريس البارزاني رحمه الله تعالى في عام 1987 إثر مرض عضال. وترك وراءه إرثًا غنيًا من القيم والمبادئ التي ألهمت الأجيال الكردية. كان ينظر إليه كشخصية قيادية جمعت بين الشجاعة العسكرية والبصيرة السياسية، مما جعله رمزًا خالدًا للنضال الكردي من أجل الحرية.
الدروس المستفادة من تجربته
يعلمنا إدريس البارزاني من سيرته التاريخية أن القيادة الحقيقية تتطلب توازنًا بين القوة العسكرية والرؤية السياسية. كما أن قراءة التاريخ وتحليل معطياته يمكن أن تشكل خريطة طريق لتجنب أخطاء الماضي وبناء مستقبل أكثر استقرارًا.
كان إدريس رمزًا لقضية عادلة ونضال شرعي، واستطاع أن يحوّل المآسي إلى فرص، وأن يرسم لشعبه مع أخيه ومن قبل مع أبيه، طريقًا نحو تحقيق طموحاتهم رغم كل التحديات. تبقى رؤيته التاريخية ودوره القيادي مثالًا يُحتذى به لكل من يؤمن بالحرية والعدالة.
وولده السيد نيجيرفان البارزاني رئيس الاقليم مستمر في ارثه التاريخي والحضاري اليوم.
المقالة حصريا لموقع :hiwar