مؤتمر ميونيخ للأمن يستعد لعاصفة من الجدل يحملها معهم ممثلو إدارة ترمب
بعد صدمة التعريفات الجمركية الأميركية، وخطط الرئيس دونالد ترمب لإجلاء سكان غزة، تستعد أوروبا بتوتر لاقتراح السلام في أوكرانيا الذي يحمله معه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إلى ميونيخ، حيث يلتقي سنوياً قادة العالم في مؤتمر الأمن.

وسيحضر فانس إلى جانب وزير الخارجية ماركو روبيو، ومبعوث ترمب إلى أوكرانيا وروسيا كيثكيلوغ، إلى جانب وفد كبير من أعضاء الكونغرس من الحزبين. ورغم أن التمثيلالأميركي الكبير ورفيع المستوى قد يطمئن الأوروبيين بأن الولايات المتحدة لم تتخلعنهم كلياً، فإن تكليف فانس، الذي يعد واحداً من أشد منتقدي دعم واشنطن لكييففي الإدارة الأميركية، بحمل خطة السلام تلك قد لا يحمل الكثير من التفاؤل بالنسبةللأوروبيين.
وكرر فانس مراراً خلال الحملة الانتخابية أنه «لا يأبه لما يحصل لأوكرانيا»، ويعتقد أنالسياسيين الأوكران فاسدون، وأن جزءاً كبيراً من المساعدات الأميركية التي تصلهمتهدر بالفساد. وتصريحات ترمب التي سبقت انطلاق أعمال مؤتمر الأمن يوم الجمعة،وقوله إن أجزاء من أوكرانيا قد تصبح روسية لا تساعد في تفاؤل الأوروبيين حول الخطةالتي يحملها فانس.
ومع ذلك ذلك، يبدو أن فانس يخطط
للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي سيحضر شخصياً إلى ميونيخ بحسبما أكد أمين عام المؤتمر كريستوف هويسغين. وعبر هويسغين عن أمله بأن يشكلمؤتمر الأمن هذا العام فرصة لتحقيق تقدم باتجاه اتفاقية سلام لإنهاء الحرب فيأوكرانيا. ولم يجزم هويسغين ما إذا كان المؤتمر سيشهر إعلان خطة سلام في أوكرانياتاركاً الباب مفتوحاً حول نقاش الخطة على الأقل.
وبالفعل فإن ألمانيا متشككة مما قد يحمله الأميركيون معهم حول السلام في أوكرانيا،وقد عبر عن هذا التشكك المتحدث باسم السياسة الخارجية لدى الحزب الاشتراكيالحاكم نيلس شميدت بالقول: إن الأميركيين قد يطلقون «بالون اختبار»، مضيفاً: «قدنجد أنفسنا أمام تكتيكات مفاوضات ترمبية بامتياز ومطالب قصوى مجدداً». وبالنسبةإليه فإن الأجوبة عن الأسئلة الأكثر إلحاحاً حول إنهاء الحرب ما زالت غير موجودة. ويعتقد شميدت أن الحلول «السريعة للأزمة الأوكرانية ليست سهلة».
ورغم أن أيام «الحزب الاشتراكي» في السلطة شارفت على الانتهاء إذ ستجرى انتخاباتعامة في ٢٣ فبراير (شباط)، فإن كل الأحزاب الرئيسة في ألمانيا ملتزمة بأمن أوكرانيا. وحتى أن «الحزب المسيحي الديمقراطي» الذي يرأسه فريدريش ميرتس متشدد أكثرفي دعمه لكييف، وغالباً ما انتقد في السنوات الماضية تلكؤ المستشار الألماني أولافشولتس في إرسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا.
وسيشارك شولتس ومعظم وزرائه في المؤتمر ويلتقي بزيلينسكي. وكذلك «الحزبالمسيحي الديمقراطي» وبقية الأحزاب باستثناء حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف وحزب «زارا فاغنكنيشت» اليساري المؤيد لروسيا. وقد برر أمين عامالمؤتمر تحييد الحزبين بسبب «عدم إيمانهما بالحوار»، قائلاً إن ممثلي الحزبين خرجامن البرلمان الألماني عندما ألقى الرئيس الأوكراني كلمة أمامه.
وبحسب استطلاعات الرأي، يحل «الحزب المسيحي الديمقراطي» في الطليعة، ومنالمتوقع أن يصبح ميرتس المستشار القادم بعد الانتخابات التي سيجبر على أثرها علىأن يشكل حكومة ائتلافية قد تشهد عودة «الحزب الاشتراكي» على أنه حزب صغيرمشارك فيها.
وفي النهاية، ورغم أن مؤتمر ميونيخ قد يشهد طرح خطة سلام أميركية، فإن الغيابالروسي سيكون بارزاً هذا العام أيضاً. فالدبلوماسيون الروس الذين كانوا ضيوفاً رئيسينعلى المؤتمر قبل الحرب في أوكرانيا، غائبون عنه للعام الرابع على التوالي. وسيكونالتمثيل الروسي مقتصراً على وجوه في المعارضة الروسية، بحسب ما أكد أمين عامالمؤتمر. العام الماضي كانت يوليا نافالني، أرملة المعارض الروسي أليكسي نافالنيحاضرة، وصعدت إلى المنبر لتوجه كلمة بعد ساعات قليلة على إعلان وفاة زوجها فيسجنه في روسيا.
ولن تكون الحرب في أوكرانيا وخطة السلام التي يحملها معهم الأميركيون محور مؤتمرميونيخ، كما كانت في السنوات الماضية، بل إن سياسات الإدارة الأميركية الجديدة كلهاستكون محل تركيز وتمحيص بين المشاركين. ويتفرع من أزمة أوكرانيا مدى التزام إدارةترمب بدعم حلف الناتو. وفي التقرير السنوي الذي نشره المؤتمر قبل أيام لرسم أرضيةالسياسات والنقاشات التي ستدور في ميونيخ، شكك في إرادة الإدارة الأميركية باستمرارتقديم ضمانات أمنية لأوروبا، وهي الضمانات التاريخية التي حصلت عليها القارة بعدالحرب العالمية الثانية. وذكر التقرير أن الرئيس ترمب يعطي الأولوية لمواجهةالاقتصاد الصيني، وهذا يعني أن أمن أوروبا لن يعود أولوية، بما قد يحمله ذلك «منعواقب كارثية على أوكرانيا»، وعلى حلف شمال الأطلسي.
ومن دون شك ستحظى سياسات ترمب الاقتصادية بحيز كبير على النقاشات فيالمؤتمر، رغم أنه مؤتمر يناقش الأمن، ولكن الاقتصاد يبدو أنه مرتبط بالأمن في هذهالحالة. وقد ذكر تقرير المؤتمر أن غريمة ترمب الأساسية، الصين، «ستستفيد منالانسحاب الأميركي من الالتزامات الدولية وإبعاد الحلفاء القدامى لواشنطن». ويضيفالتقرير أن «تنازل الولايات المتحدة عن السلطة سيعني أن أطرافاً أخرى ستملأ الفراغ،وهذا سيؤدي إلى زيادة الاستقطاب في المجتمع الدولي». واستعد الأوروبيون معالكنديين في لقاءات عقدت في بروكسل، قبل لقاء الأميركيين في ميونيخ، للتوصللمقاربة مشتركة لمواجهة التعريفات الجمركية على الفولاذ والألمنيوم التي أعلنهاترمب والتي رفعت إلى 25 في المائة.
وإلى جانب الأزمات التي تصدع الأوروبيين، فإن العلاقة الصعبة مع إدارة ترمب ستمتدإلى النقاشات حول الشرق الأوسط، من سوريا وإيران إلى فلسطين وإسرائيل. وفيماسيمثل الإدارة السورية الجديدة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، فسيغيبالتمثيل الإيراني الرسمي هذا العام أيضاً، بينما دعي ممثلون من المعارضة الإيرانية. وقد يكون الموضوع الثاني الأكبر الذي سيطغى على المؤتمر هو الحرب في غزة،وتشكيل رؤية موحدة عربية - أوروبية لمواجهة الطرح الأميركي بتفريغ القطاع منسكانه لإعادة إعماره، وهذا الطرح فكرة رفضها العرب والأوروبيون بشكل قاطع.
برلين:راغدة بهنام