خطابا السوداني وبارزاني في مؤتمر بغداد السابع: خطوات في بناء خطاب عراقي

خاص لموقعhiwar/ طالب كاظم سعداوي: في مؤتمر بغداد السابع، الذي انعقد وسط تحديات سياسية وأمنية إقليمية ودولية، برزت خطابات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني كعلامتين فارقتين في مسار الخطاب السياسي العراقي. لم تكن كلماتهما مجرد تعبير عن مواقف رسمية، بل شكلت محاولة جادة لرسم ملامح خطاب عراقي قادر على إدارة الأزمات والصراعات والتحديات الداخلية والخارجية. بين السوداني وبارزاني ظهرت مقاربات تكاملية، حيث عكس كل منهما رؤيته الخاصة للعراق، لكنها تلاقت في هدف جوهري: إنتاج خطاب سياسي وطني قادر على استيعاب التحديات وصياغة حلول عملية تعزز الاستقرار وتعزز موقع العراق كلاعب أساسي في المنطقة.

خطابا السوداني وبارزاني في مؤتمر بغداد السابع: خطوات في بناء خطاب عراقي

السوداني: خطاب الدولة ورؤية الاستقرار

في كلمته، ركّز رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على مفهوم الدولة بوصفها الإطار الجامع الذي لا بديل عنه لإدارة التعقيدات العراقية. انطلق من حقيقة أن العراق يواجه تحديات مركبة، لكنه شدد على أن الحلول لا تأتي من خارج الدولة، بل من تعزيز مؤسساتها وتقويتها.

وبين إن العراق يتمسك بدوره المحوري في استقرار المنطقة، وإن سياسته الخارجية مبنية على الحوار وتصفير الأزمات. هذه المطالب تلخص فلسفة الحكومة العراقية في التعامل مع التوترات الإقليمية، حيث يسعى العراق ليكون جسراً للتفاهمات وليس ساحة لصراعات الآخرين. وهنا يبرز خطابه كخطاب عملي، لا يكتفي بوصف المشكلات بل يسعى إلى اقتراح حلول ملموسة.

نيجيرفان بارزاني: خطاب التوازن والشراكة الوطنية

لقد قدم نيجيرفان بارزاني رؤية تكمّل ما طرحه السوداني، لكنه ركّز على أولوية الشراكة الوطنية كأساس لبناء العراق الجديد. كانت نبرة خطابه ذات استيعاب للمكونات المختلفة، وهو ما يعكس رؤية عراقية وكردية  مشتركة طالما سعت إلى التأكيد على التعددية السياسية في البلاد.

وابرز أنهم في إقليم كردستان يؤمنون بأن استقرار العراق هو استقرار كردستان، وأن الحلول تكمن في الحوار والتفاهم بين جميع المكونات وهذه الرؤية تعكس موقفًا واقعيًا، حيث لا يمكن لأي طرف أن يحقق الاستقرار بمفرده، بل إن بناء العراق يحتاج إلى شراكة فعلية بين بغداد وأربيل وباقي المحافظات.

كما أكد بارزاني على ضرورة التفاهم الدستوري مبرزا أنهم ملتزمون بالدستور العراقي كأساس لحل جميع الخلافات، ويعقتقدون أن الالتزام به سيضمن حقوق جميع العراقيين دون استثناء، هنا يعيد بارزاني التأكيد على أهمية إطار القانون كأساس لحل النزاعات، في مواجهة الأزمات السياسية المتكررة التي غالبًا ما تخرج عن سياقاتها الدستورية.

وهي رؤية قديمة جديدة مستقبلية اشتهر بها نيجيرفان البارزاني.

وعلى الرغم من اختلاف السياقات التي جاء منها كل من السوداني وبارزاني، إلا أن خطابهما تكامل في نقاط جوهرية:

1. التمسك بسيادة العراق: كلاهما أكدا أن العراق يجب أن يكون صاحب قراره، بعيدًا عن التجاذبات الخارجية.

2. أولوية الحوار: اتفق السوداني وبارزاني على أن العراق بحاجة إلى خطاب داخلي قائم على الحوار لحل الأزمات بين المكونات المختلفة.

3. أهمية الاقتصاد في تحقيق الاستقرار: شدد السوداني على الإصلاح الاقتصادي، بينما رأى بارزاني أن استقرار العراق يمر عبر تحقيق العدالة الاقتصادية بين جميع الأقاليم والمناطق.

4. رفض التصعيد الداخلي والخارجي: أكدا أن لغة الصدام يجب أن تستبدل بلغة الحلول، سواء داخل العراق أو في علاقاته الإقليمية.

ومن ثم يبرز من خطابي السوداني وبارزاني أن العراق بحاجة إلى خطاب سياسي جديد، لا يكون مجرد استجابة ظرفية للأزمات، بل قادر على إدارتها بفعالية.

هذا الخطاب  في رؤية السيد نيجيرفان كان يقوم  على:

تحديد أولويات وطنية وكردية واضحة تتجاوز الاعتبارات الحزبية والمناطقية.

تطوير خطاب عقلاني  واقعي يوازن بين الواقع والمصالح الوطنية.

إدارة الأزمات بدلاً من ردود الفعل اللحظية، بحيث يكون للدولة استراتيجيات طويلة الأمد وليست حلولاً مؤقتة.

تعزيز لغة الشراكة الوطنية بدلاً من التصارع بين المكونات، لأن الاستقرار الشامل لن يتحقق إلا بتفاهم داخلي حقيقي.

وهكذا فما قدمه السوداني وبارزاني في مؤتمر بغداد السابع يمثل ملامح ومعالم لخطاب عراقي متوازن، فالأزمات في العراق معقدة، والتحديات متجددة، ولكن بناء خطاب سياسي عراقي قادر على إدارتها يبدأ من الاعتراف بأن الحلول لا تأتي إلا عبر الإرادة السياسية والمشاريع الحقيقية التي تعيد للدولة هيبتها وللمجتمع تماسكه وهو ما نجح فيه الرئيسان كلاهما.

...

...