رؤية دبلوماسية في الفاتيكان للتعايش والتعددية الثقافية

أبريل 27, 2025 - 10:41
أبريل 27, 2025 - 10:44
رؤية دبلوماسية في الفاتيكان للتعايش والتعددية الثقافية

سيروان عبد الكريم علي

 سياسي وأكاديمي

 تمثل زيارة رئيس إقليم كردستان العراق، السيد نيجيرفان بارزاني، للفاتيكان خطوة سياسية مهمة تعكس رؤيته للتعايش والتعددية الثقافية. هذه الزيارة لا تعبر فقط عن علاقات دبلوماسية تقليدية، بل تمثل قراراً سياسياً استراتيجياً بجعل إقليم كردستان عاملاً للاستقرار في منطقة مضطربة من الشرق الأوسط. الحضور في مناسبة ذات بعد عالمي في الفاتيكان يؤكد على الدور الذي يسعى الرئيس نيجيرفان بارزاني لتأديته كجسر للحوار بين مختلف الثقافات والأديان. فالفاتيكان يمثل مركزاً أخلاقياً وسياسياً عالمياً يجذب مختلف القادة بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، فان حضور الرئيس هناك وكثافة نشاطاته خلال زياراته الأخيرة إلى دول الخليج وتركيا وفرنسا يرمز إلى تبنيه لنهج يتجاوز الحدود الضيقة للهويات المنغلقة.

 يبدو أن أجندة الرئيس، كما ظهرت في زياراته، تتواصل مع العالم من خلال قنوات متعددة تشمل الرياضة والتنمية والاقتصاد. الرياضة كوسيلة عالمية للحوار والتواصل مع الشباب؛ والتنمية كأساس لخلق قوة التعايش؛ والمساعدات والخدمات كضمانة لتوفير خيارات حياتية للشباب بعيداً عن الإجرام والنشاطات الإرهابية؛ والاقتصاد كقاعدة لعوامل الاستمرارية والتطور والإنجاز.

 تكتسب منطقة إقليم كردستان العراق موقعاً خاصاً في هذا السياق؛ فهي تمثل مركزاً للتنوع الديني، حيث تستضيف أقدم المكونات الدينية في المنطقة وأحدثها، فضلاً عن مجموعة متنوعة من الأديان. وقد وفرت ملاذاً آمناً لجميع الطوائف في ظل قيادته، مما يجعلها نموذجاً فريداً في المنطقة. تتميز مقاربة الرئيس باستخدام "لغة التنوع" لصياغة رؤية للتسامح والتعددية في مجتمعات الشرق الأوسط. هذه اللغة تتناقض بشكل حاد مع "لغة التجانس" السائدة التي تدعو إلى الانضمام إلى أغلبية عرقية أو طائفية. التجربة الدولية غنية بأمثلة عن كيفية تقديم التنوع فرصاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والإثراء الثقافي والإنساني، وهو ما يبدو أن الرئيس نيجيرفان بارزاني يسعى لتطبيقه في إقليم كردستان العراق وتوسيعه في الشرق الأوسط ككل.

يعتبر إقليم كردستان العراق اليوم، بفضل التصادف التاريخي الاستثنائي والرؤية القيادية الواضحة، المنطقة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تستضيف مجتمعاً متعدد الأعراق تحكمه ديمقراطية متعددة الثقافات. هذا النموذج أصبح ممكناً لأن المجموعات الرئيسية - الكُرد والمسيحيين والعرب - تتشارك السلطة بطريقة تحترم خصوصيات كل مكون. لا تعتمد قيادة الرئيس نيجيرفان بارزاني على خطابات متفائلة ومبادئ نظرية فحسب، بل على رؤية ملموسة وخطة استراتيجية طويلة الأمد أدت إلى ظهور منطقة تسعى للازدهار والأمن والاستقرار وسط بيئة إقليمية مضطربة. وفي خضم النزاعات والحروب المستمرة في البلدان المجاورة، يبدو أن إقليم كردستان يؤثر في هذه البلدان لتبني تجربة التعايش السلمي وبناء المؤسسات الديمقراطية.

 يدرك الرئيس نيجيرفان بارزاني أهمية التعليم في تعزيز هذه الرؤية، مع التأكيد على التوجه العلمي والمتعدد الثقافات للنظام التعليمي. ووفقاً لهذه الرؤية، يجب أن يكون النهج التعليمي متعدد الثقافات تعديلاً أساسياً وعميقاً لعملية التعليم بأكملها، وليس مجرد إضافة بعض المواضيع أو المحاضرات أو تطوير الكتب المدرسية الحالية. في عالم تشكل فيه الرأسمالية تحدياً للقيم التقليدية، والنزاعات الإقليمية تجعل البلدان تركز على علاقاتها الاقتصادية الخارجية، يبدو أن النموذج الكردستاني يقدم بديلاً يجمع بين الهويات الثقافية والمصالح الاقتصادية بطريقة متوازنة.

 يواجه هذا النموذج تحديات داخلية وخارجية، لكن خطوات مثل زيارة الفاتيكان تظهر عزماً على تجاوز هذه التحديات والانفتاح على العالم. تصبح مشاركة الشباب والمجتمع المدني في هذه العملية أمراً حيوياً لضمان استدامة هذه الرؤية وتحويلها إلى واقع ملموس. إن حضور الرئيس نيجيرفان بارزاني في الفاتيكان ومراسيم وداع بابا فرانسيس يمثل خطوة في طريق طويل نحو بناء نموذج للتعايش في منطقة عانت طويلاً من الصراعات. هذا النموذج، إذا نجح في التطبيق بدعم من الدولة العراقية والمجتمع الدولي، قد يمكّن إقليم كردستان العراق من الازدهار، ويحوله إلى مساهم إيجابي ومؤثر معتدل في بيئته الإقليمية المضطربة.