رؤية وطنية عراقية كردية للعراق على هامش خطاب نيجيرفان بارزاني في مؤتمر بغداد السابع.
خاص لموقع hiwar/ د هوشيار مظفر علي :شهد العراق عبر تاريخه الحديث تحولات استراتيجية كبرى أثرت على بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يزال يواجه تحديات تتطلب رؤية وطنية شاملة تعزز الاستقرار والتكامل بين مكوناته. في هذا السياق، جاء خطاب رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، خلال مؤتمر بغداد الدولي السابع، ليطرح تصورًا واضحًا حول مستقبل العراق ودوره في المنطقة، مستندًا إلى مبادئ الشراكة والتعاون والتكامل الاقتصادي والسياسي.

العراق.. مركز اقتصادي إقليمي
أكد نيجيرفان بارزاني أن العراق يمتلك “فرصة كبيرة ليصبح مركزًا اقتصاديًا نشطًا وكبيرًا في المنطقة”، مشيرًا إلى أهمية استغلال موقعه الجغرافي الاستراتيجي وثرواته الطبيعية والبشرية لتحقيق هذا الهدف. ولكن لتحقيق ذلك، يرى بارزاني أن الأمر يتطلب “إطارًا قانونيًا واقتصاديًا متينًا يشجع الاستثمار المحلي والأجنبي ويوفر بيئة محفزة وجاذبة له”.
هذا الطرح يعكس رؤية متكاملة تستند إلى تعزيز الاستثمار كركيزة أساسية للنمو، وهو ما يتطلب بيئة سياسية مستقرة، وإصلاحات اقتصادية وقانونية تسهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام، بعيدًا عن الاعتماد الأحادي على النفط.
الشراكة بين بغداد وأربيل.. أساس التنمية
لم يكن حديث رئيس إقليم كردستان مقتصرًا على الجوانب الاقتصادية، بل امتد ليؤكد أن “الاستقرار السياسي والاقتصادي للعراق بأكمله هو مصلحة وطنية مشتركة”، مشددًا على ضرورة “التكامل بين بغداد وأربيل وكذلك بين العراق ومحيطه من دول المنطقة والعالم”.
هذه الرؤية تعكس أهمية تجاوز الخلافات السياسية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، والعمل وفق مبدأ الشراكة الحقيقية التي تقوم على التفاهم والاتفاق لحل المشاكل الداخلية. فالعلاقة بين أربيل وبغداد يجب ألا تكون قائمة على التنافس أو الصراع، بل على التعاون والتكامل بما يخدم مصلحة العراق ككل.
مشروع طريق التنمية.. خطوة استراتيجية
كان لمشروع “طريق التنمية” نصيبٌ مهم في كلمة نيجيرفان بارزاني، حيث اعتبره “خطوة تاريخية لبناء عراق أكثر استقرارًا وازدهارًا على أساس اقتصاد متنوع والانفتاح الإقليمي”. وأكد دعم إقليم كردستان الكامل لهذا المشروع، ليس فقط من منظور اقتصادي، بل كخطوة لتعزيز موقع العراق إقليميًا ودوليًا.
مشروع طريق التنمية، الذي يهدف إلى ربط الخليج بأوروبا عبر العراق، يشكل فرصة استراتيجية لتعزيز البنية التحتية وتحقيق نمو اقتصادي شامل. ولكن نجاحه مرهون بتوفير بيئة آمنة ومستقرة، وإقرار سياسات اقتصادية مرنة وجاذبة للاستثمارات.
الوحدة في التنوع.. قوة العراق الحقيقية
من أبرز النقاط التي ركّز عليها رئيس إقليم كردستان هو أهمية “التنوع العراقي كقوة وثروة”، داعيًا إلى تجاوز “كل الاختلافات القومية والدينية والمذهبية” وجعل هذا التنوع عنصر قوة لتعزيز مكانة البلاد اقتصاديًا وسياسيًا واستراتيجيًا.
هذا الطرح يعكس إدراكًا عميقًا بأن العراق، بتعدد مكوناته القومية والدينية، يجب أن يعتمد على التعايش المشترك كأساس لتحقيق الاستقرار. فبدلًا من أن يكون التنوع عامل انقسام، يمكن أن يتحول إلى ركيزة للتنمية والتقدم إذا ما تم تبني سياسات شاملة وعادلة لجميع المواطنين.
التوازن والاعتدال.. رؤية مستقبلية
شدد نيجيرفان بارزاني على أهمية اتباع نهج “التوازن والاعتدال والتعاون والمصالح المشتركة” في التعامل مع التغيرات الجيوسياسية. وأكد على “وجوب أن يكون العراق جسراً للحوار وليس ساحة للصراع”، وهو ما يتطلب سياسة خارجية قائمة على الدبلوماسية الفعالة والانفتاح على العالم.
كما أبدى بارزاني تقديره لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مشيدًا بجهوده في تعزيز هذا النهج، معتبرًا أن العراق “مليء بالفرص رغم التحديات”.
رؤية عراقية موحدة للمستقبل
اختتم رئيس إقليم كردستان كلمته بالتأكيد على أن “نجاح العراق يعتمد على قدرته في إدارة التعددية والتنوع الداخلي وتعزيز روح الشراكة وإرساء أسس الحكم الرشيد وترسيخ الاستقرار السياسي والاقتصادي”. كما شدد على الحاجة إلى “خطط دائمة وإرادة سياسية جادة وشراكات استراتيجية حكيمة”، معربًا عن أمله في أن يسهم مؤتمر بغداد في وضع “خارطة طريق واضحة لمستقبل أكثر إشراقًا للعراق”.
خطاب نيجيرفان بارزاني في مؤتمر بغداد السابع حمل رؤية وطنية متكاملة لمستقبل العراق، تستند إلى الشراكة السياسية، والتكامل الاقتصادي، والاستقرار الأمني، والتنوع الاجتماعي كعوامل رئيسية للنهوض بالبلاد.
هذه الرؤية، إذا ما تم تبنيها عمليًا، يمكن أن تسهم في تحويل العراق إلى نموذج إقليمي ناجح، قادر على مواجهة التحديات، واستثمار الفرص، والانطلاق نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.