مساهمة المسيحيين في انتخابات برلمان إقليم كردستان 1992: بداية التمثيل السياسي وأزمات لاحقة

مايو 19, 2025 - 10:41
مساهمة المسيحيين في انتخابات برلمان إقليم كردستان 1992: بداية التمثيل السياسي وأزمات لاحقة

بقلم: لينا بنيامين داود

شهد إقليم كردستان العراق، في 19 أيار/مايو 1992، أول انتخابات برلمانية حرة بعد عقود من الاستبداد والحكم المركزي في بغداد. جاءت هذه الانتخابات بعد انتفاضة آذار 1991 وانسحاب قوات النظام العراقي من الإقليم، لتؤسس لمرحلة جديدة من الحكم الذاتي الفعلي، أدارته "الجبهة الكردستانية" التي تألفت من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

كانت الانتخابات خطوة تاريخية باتجاه بناء مؤسسات شرعية تمثل جميع مكونات المجتمع الكردستاني، بما في ذلك المكوّن المسيحي، الذي يضم الكلدان والسريان والآشوريين. رغم التحديات السياسية آنذاك، أظهر المسيحيون مشاركة ملحوظة في هذه العملية، لتكون بداية تمثيل سياسي رسمي لهم في الإقليم.

مع بدء العملية الانتخابية، انقسمت أصوات المسيحيين بين عدة جهات. الغالبية كانت تميل إلى الحزب الشيوعي العراقي، فيما دعم البعض الآخر الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا)، التي كانت أبرز الكيانات السياسية ذات التوجه القومي المسيحي. كما شاركت شخصيات مسيحية بارزة ضمن أحزاب كردية، من بينهم فرانسو حريري، الذي أصبح لاحقًا محافظًا لأربيل، وشكّل رمزًا للتعايش والمشاركة السياسية الفعالة.

 في مناطق مثل ديانا، حرير، باتاس، وشقلاوة، صوت أغلب السكان المسيحيين للحزب المحلي القومي الذي كان ينتمي إليه فرانسو حريري، لكن رغم ذلك، لم تُحتسب هذه الأصوات لأسباب لم تكن واضحة في حينها، ما أثار حالة من الشك والخيبة لدى كثيرين. في المقابل، في عنكاوا وشقلاوة، كانت أغلب أصوات المسيحيين لصالح الحزب الشيوعي، إلا أنه لم يحصل على أي مقعد برلماني بسبب عتبة الـ7% التي فرضها قانون الانتخابات، والذي اعتمد نظام التمثيل النسبي.

 خصص قانون الانتخابات البرلمانية في 1992 عددًا من مقاعد الكوتا لبعض المكونات القومية والدينية، وكان للمسيحيين نصيب منها، حيث خُصص لهم خمسة مقاعد من أصل 105. وقد كان ذلك اعترافًا رسميًا غير مسبوق بالوجود السياسي والثقافي لهذا المكوّن في الإقليم.

فازت الحركة الديمقراطية الآشورية بأربعة مقاعد، في حين حصل "اتحاد مسيحيي كردستان" على مقعد واحد. هذا الفوز أتاح للمسيحيين لأول مرة لعب دور مباشر في صياغة السياسات والتشريعات، ومثّل خطوة نوعية في إطار التعددية السياسية والتعايش.

بعد فوز يونادم كنا بمقعد الكوتا في انتخابات 1992، استمرت مشاركة شخصيات مسيحية بارزة في الدورات البرلمانية اللاحقة. فقد تولّى روميو هكاري، رئيس حزب بيت نهرين الديمقراطي، تمثيل المسيحيين في البرلمان في دورات لاحقة، تلتها النائبة سوزان القصراني التي مثّلت المسيحيين أيضًا، ما أكد استمرارية الحضور السياسي للمكوّن المسيحي، رغم التحديات. ورغم الإيجابيات، لم تخلُ التجربة من انتقادات. فقد أشار يونادم كنا، الأمين العام للحركة الديمقراطية الآشورية، إلى وجود ثغرات في نظام الكوتا، من أبرزها أن التصويت على مقاعد الكوتا لم يكن محصورًا بالمسيحيين وحدهم، مما سمح للأحزاب الكبرى بالتأثير على النتائج بدعم مرشحين مسيحيين موالين لها، ما قلّص من فرص التمثيل المستقل.

 كما أن التوزيع الجغرافي للمقاعد لم يكن منصفًا. فمثلاً، في حين تم تخصيص مقاعد كوتا في محافظات مثل السليمانية التي تضم عددًا قليلًا من المسيحيين، لم تحظَ محافظة دهوك – التي تضم آلاف العائلات المسيحية – بتمثيل يتناسب مع حجمها السكاني، وهو ما أثار احتجاجات ومطالبات بإعادة النظر في توزيع المقاعد.

في شباط/فبراير 2024، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قرارًا مثيرًا للجدل بإلغاء نظام الكوتا في برلمان إقليم كردستان، ما شمل كوتا المسيحيين والتركمان. وقد اعتُبر هذا القرار تراجعًا خطيرًا عن مكتسبات التعددية السياسية. قوبل القرار برفض واسع من الأحزاب المسيحية، وفي مقدمتها:

الحركة الديمقراطية الآشورية

المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري

اتحاد بيت نهرين الوطني

الحزب الوطني الآشوري

وقد أعلنت هذه الأحزاب مقاطعتها للانتخابات القادمة، معتبرة أن خوض الانتخابات دون كوتا هو شكل من أشكال الإقصاء السياسي المنظّم، الذي يهدد وجود المكونات الأصيلة ويقوّض مبدأ المواطنة المتساوية.

 كانت انتخابات عام 1992 لحظة فارقة في تاريخ إقليم كردستان، إذ منحت المسيحيين فرصة ثمينة للمشاركة السياسية بعد عقود من التهميش. غير أن التجربة، رغم رمزيتها، ظلّت محفوفة بالإشكاليات، من أبرزها غياب ضمانات الاستقلالية والعدالة في التمثيل.

وقد جاء قرار المحكمة الاتحادية في 2024 بإلغاء الكوتا ليعيد هذا الملف إلى الواجهة، ويُبرز هشاشة التمثيل السياسي للمسيحيين في ظل غياب النصوص الدستورية الصريحة التي تحمي حقوق المكونات الصغيرة في إطار ديمقراطي تعددي. إن حماية التعددية في كردستان والعراق عمومًا تتطلب مراجعة شاملة للنظام الانتخابي وآليات تمثيل المكونات، بما يضمن العدالة والكرامة لكل مواطن، ويكرّس مبدأ "المواطنة لا التبعية الحزبية".