إدريس البارزاني: مدير الأزمة وقائد الصراع دراسة تحليلية تاريخية

خاص لموقع hiwar/ طالب كاظم سعداوي:السيد إدريس مصطفى البارزاني، نجل الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني، هو شخصية محورية في تاريخ الحركة الكردية المعاصرة. ليس مجرد وريث للزعامة الكردية بل مهندس تفاوضي، استراتيجي في إدارة الأزمات، وصانع للسلام في مرحلة حرجة من تاريخ العراق. وهذا المقال يسعى لتحليل الدور القيادي الذي مارسه إدريس البارزاني من خلال قراءة معمقة لمسيرته النضالية وتحليل آليات تفكيره السياسي والإداري. سنناقش كيف استطاع إعادة تعريف دور الزعيم الكردي من خلال الوساطة والحوار والتفاوض.

مايو 12, 2025 - 20:35
إدريس البارزاني: مدير الأزمة وقائد الصراع  دراسة تحليلية تاريخية

اولا: الخلفية العائلية والسياسية – سياق النشأة والتكوين

1. الولادة في زمن الاضطراب

وُلد إدريس البارزاني في عام 1944 في قرية بارزان، التي كانت معقل الحركة الكردية. في تلك الفترة، كانت بارزان تعيش حالة من التأهب الدائم، حيث كان والده الزعيم الملا مصطفى البارزاني يخوض مواجهة سياسية وعسكرية مع النظام العراقي.

نشأ إدريس وسط بيئة مسلحة، يراقب تحركات والده، ويتشبع بروح المقاومة. تلقى تعليماً غير نظامي، إذ كان تنقل العائلة بين الجبال والمنافي هو الواقع اليومي. هذا التكوين المبكر أسس لشخصية سياسية تمتلك قدرة على التحمل، والتكيف مع الأزمات، والقدرة على قراءة المعادلات المعقدة.

2. التكوين الفكري – بين الفقه والعشيرة والسياسة

لم يكن إدريس مجرد نجل قائد عسكري؛ فحسب،بل تربى في بيئة قبلية تؤمن بالتقاليد والعادات، وفي الوقت ذاته كان محاطاً بمثقفين وسياسيين من مختلف الاتجاهات. تعلم فنون الحوار والتفاوض من والده، لكن تأثيره جاء من مصادر متعددة:

الملا مصطفى البارزاني: استلهم منه الحكمة والحنكة السياسية.

العشيرة البارزانية: شكلت رافداً للقيم الاجتماعية والالتزام بالأعراف.

البيئة الكردية العامة: غذّت حسه بالهوية القومية والالتزام بمطالب الشعب الكردي.

ثانيا: المرحلة النضالية الأولى – من القتال إلى التفاوض

1. بداية النشاط السياسي – إدريس في الظل والواجهة

شارك في ثورة ايلول1961م واستمر فيها وفي اواخر الستينات وأوائل السبعينيات، بدأ إدريس البارزاني في الظهور كلاعب رئيسي في الحركة الكردية. كان والده يدير الصراع العسكري، لكن إدريس تولى مهام التفاوض مع النظام العراقي، خاصة في أعقاب اتفاقية مارس 1970.

واكتسب سمعة بأنه هادئ الأعصاب، متزن التفكير، وصاحب قدرة على قراءة نوايا الخصوم. كانت نظرته استراتيجية استشرافية؛ إذ آمن بأن التفاوض، وإن لم يُنهِ الصراع، فإنه يقلل من الخسائر ويفتح قنوات جديدة للتواصل السياسي.

2. مرحلة الانقلاب والتراجع – إدارة الأزمة بواقعية

بعد انهيار اتفاقية 1970 واندلاع المواجهات المسلحة مجدداً، وقيادة والده لحركة التحرر الكردية، واجهت الحركة الكردية خيانات عسكرية. داخلية واقايمية ودولية، هنا برز إدريس كمدير للأزمة، ساعياً لإيجاد حلول دبلوماسية حيث:

حافظ على قنوات التواصل مع الحكومة العراقية رغم الحرب.

سعى لتخفيف العبء عن المقاتلين عبر المفاوضات غير المباشرة.

عمل على كسب دعم القوى الإقليمية والدولية لتحقيق التوازن.

ثالثا:العلاقات الدولية – التمدد الإقليمي والدولي

1. الدور الإيراني – التحالف والتوتر

مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، أدرك إدريس أهمية استغلال التناقضات الإقليمية لتحقيق مكاسب تكتيكية للحركة الكردية.

نجح في بناء علاقات  مع إيران، رغم التعقيدات المأزومة. لكن إدريس كان حذراً في هذه العلاقة، حيث أدرك أن الدعم من هنا وهناك ليس دائماً، وأنه محكوم بالمصالح الإقليمية وكذلك الحال مع تركيا بالطبع.

2. الولايات المتحدة – بين الصداقة والمصالح

كان إدريس منفتحاً على فكرة التعاون مع الولايات المتحدة، مستفيداً من التوترات بين واشنطن وبغداد. ورغم أن الدعم الأمريكي كان محدوداً، إلا أنه فتح لإدريس قنوات جديدة لطرح القضية الكردية على الساحة الدولية مع عدم نسيان التخبي عن الكرد في 1975م

رابعا: القيادة من الظل – قراءة في شخصية إدريس البارزاني

1. الرجل الهادئ – بين الحزم والدبلوماسية

كان إدريس شخصية استثنائية في الحركة التحررية الكردية؛ إذ تميز بقدرة عالية على ضبط النفس وتجنب النزاعات العلنية. امتلك قدرة على احتواء الأزمات بوسائل غير تقليدية، مفضلاً الحلول التفاوضية على الخيارات العسكرية.

2. إدارة الصراعات – بين الحسم والتريث

امتاز إدريس برؤية استشرافية للصراع؛ إذ كان يرى أن الصراع الكردي لن يُحسم بالسلاح وحده، بل بفتح قنوات للحوار والتواصل مع الأطراف المختلفة. كان يركز على:

بناء تحالفات تكتيكية دون التضحية بالاستقلالية.

الحفاظ على وحدة الصف الكردي رغم التباينات الداخلية.

تدويل القضية الكردية بذكاء وتروٍ، دون استفزاز القوى الكبرى.

خامسا: شهادات معاصريه – كيف رآه الآخرون؟

الزعيم الرئيس مسعود البارزاني: وصفه بأنه “رجل التهدئة في زمن العاصفة، وصوت العقل في لحظات الجنون السياسي”.

قادة الحركة الكردية: من موافقيه ومخالفيه رأوا فيه قائداً نادراً استطاع أن يمزج بين القوة والدبلوماسية وخصومه  رغم عدائهم له، أقروا بأنه كان وسيطاً بارعاً وخصماً نبيهاً.

سادسا: الدروس المستخلصة – كيف يصاغ النموذج للقائد التاريخي؟

القيادة التفاوضية: نجح إدريس في تقديم نموذج جديد للقيادة الكردية، يقوم على إدارة الأزمات بحنكة ودون اندفاع.

التكيف الاستراتيجي: استفاد من المعادلات الإقليمية والدولية دون الانغماس في لعبة المحاور.

الحفاظ على الإرث:  استطاع الحفاظ على استمرارية نهج الملا مصطفى، وتطويره بما يلائم المرحلة الجديدة.

وهكذا وسط: الإرث الذي لا يموت

فإدريس البارزاني لم يكن قائداً تقليدياً؛ بل كان مديراً للأزمات، وسيطاً استراتيجياً، ورجل سلام في مرحلة تعج بالصراعات. استطاع تحويل العمليات والصراعات العسكرية إلى مكاسب سياسية، وحافظ على استمرارية الحركة التحررية الكردية في ظل متغيرات دولية وإقليمية معقدة.

إن قراءة مسيرة إدريس التاريخية تكشف لنا نموذجاً مختلفاً من القيادة، قيادة لا تعتمد على القوة فقط، بل على التفاوض والحوار وإدارة الأزمات بذكاء ومرونة.

وحتى وفاته سنة1987م رحمه الله تعالى برحمته...بقي ادريس البارزاني مدير ازمة في موقعه التاريخي وكان مع الزعيم مسعود البارزاني نعم الأخ لنعم الأخ.

واليوم فالسيد نيجيرفان بارزاني يعيد ارث وموروث والده بادارته للازمات وقيادته للصراعات وتفاوضاته ومفاوضاته فهذا الابن من ذاك الاب إرثا موروثا.

::::

::::