إيلاف: نيجيرفان بارزاني ومآلات التحول الكردي التركي

يشكّل إعلان حزب العمال الكردستاني عن حل نفسه وإلقاء السلاح تحولًا مفصليًا في تاريخ النزاع الكردي التركي، ويمهد الطريق لإعادة رسم التوازنات في المنطقة. هذه الخطوة غير المسبوقة فتحت الباب أمام مرحلة جديدة تتداخل فيها فرص الاستقرار السياسي مع إمكانات النمو الاقتصادي، وسط ترحيب واسع من إقليم كردستان، لا سيما من القيادة السياسية ممثلة بنيجيرفان بارزاني.

 في بيان رسمي، عبّر نيجيرفان بارزاني عن دعمه الكامل لهذه الخطوة، واعتبرها بداية حقيقية لمرحلة مختلفة تتطلب استجابات بنّاءة من كافة الأطراف. ورأى فيها مؤشراً على نضج سياسي يعكس تغيرًا عميقًا في طبيعة الصراع، ويفتح المجال لحوار جاد من شأنه أن يعزز التعايش السلمي ويؤسس لسلام دائم، لا في تركيا فقط، بل في عموم المنطقة.

 ترحيب أربيل السريع بهذه المبادرة لم يكن مجرد تعبير دبلوماسي، بل جاء انعكاساً لرؤية متكاملة يتبناها نيجيرفان بارزاني، تقوم على تسوية النزاعات عبر الحوار السياسي بعيداً عن العنف. وقد شكل الموقف المشترك الذي جمعه مع الزعيم مسعود بارزاني مؤشراً واضحاً على وجود استراتيجية كردية موحدة تهدف إلى الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية لصياغة مستقبل جديد للمنطقة.

 الرئيس مسعود بارزاني، بدوره، أشاد بالمبادرة، واعتبر أن السعي نحو السلام يصب في مصلحة الجميع، مؤكداً أن المرحلة المقبلة تتطلب دعمًا دوليًا وإقليميًا لترسيخ هذا التحول. النهج الذي يتبناه نيجيرفان بارزاني يربط بين مسارات السياسة والأمن والاقتصاد.

 فهو يرى أن إنهاء العمل المسلح يمثل خطوة أساسية لبناء بيئة مستقرة تُشجّع على الاستثمار وتسمح بإعادة الإعمار، وتحوّل الإقليم إلى منصة تعاون إقليمي بدلاً من أن يكون ساحة للصراعات. ويؤمن أن التنمية الاقتصادية المستدامة لا يمكن تحقيقها من دون أمن سياسي واجتماعي دائم.

 ومن خلال تفكيك البنية العسكرية لحزب العمال، يرى بارزاني فرصة لإعادة ترتيب العلاقة مع أنقرة على أسس جديدة قوامها الشراكة الاقتصادية والتنسيق الأمني، بعيدًا عن التوتر والمواجهة. كما أن هذا التحول يضع إقليم كردستان في موقع محوري، ليس فقط كطرف كردي في توازن القوى الإقليمي، بل كوسيط موثوق به في أي مفاوضات مستقبلية. في ضوء هذا المشهد الجديد، تبدو كردستان أمام فرصة نادرة لإعادة تموضعها سياسيًا واستراتيجيًا، مستندة إلى رؤية قيادية تدرك أن السلام لم يعد خيارًا مثاليًا، بل ضرورة واقعية لبناء المستقبل.