بارزاني من طهران: خلاصنا في تطبيق الدستور

مايو 20, 2025 - 15:41
بارزاني من طهران: خلاصنا في تطبيق الدستور

من بين الأحاديث التي يمكن التوقف عندها طويلاً، ذاك الذي أدلى به رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني خلال زيارته طهران في اليومين الماضيين، والذي بدا أقرب إلى "ورقة سياسية»" متكاملة عبّر فيها الرجل عن رؤيته للكثير من الملفات، منها: العراق والفيدرالية، وكذلك العلاقة مع إيران التي كان في ضيافتها.

حتى مستقبل القضية الكردية في الإقليم وخارجه لم يغفله بارزاني الذي بدا هادئاً، لكنّه حادّ في تشخيص الخلل، ومرناً لكنّه صلب حين لَمَسَ حدود الدور الكردي في العراق والمنطقة. في حديثه من منصة "منتدى حوار طهران" يوم الاحد، لم يُهادن بارزاني في توصيفه للعلاقة بين بغداد وأربيل. قالها لمحاوره بوضوح: النظام في العراق اسمه اتحادي، لكن الواقع يقول إن الفيدرالية لم تُطبّق.

هذا الفارق بين النص والممارسة يشكّل جوهر الأزمة بين الطرفين، برأيه. وما لم تُعالَج هذه المسألة، لا يمكن للعراق أن يبلغ استقراره السياسي الكامل. فـ"كوردستان تعيش في جغرافيا اسمها العراق"، كما قال، ولكن من دون نموذج حكم يرضي الجميع ويُطبّق نصّ الدستور، تبقى العلاقة مشوبة بالالتباس وعدم الثقة. من هنا، تَقدّم رئيس الإقليم بخطوة إضافية إلى الأمام حين دعا إلى "حوار صريح" مع بغداد لتحديد نقاط اتقاء" تكون أساساً لبناء عراق جديد.

 لم يقدّم الطرح من موقع الشكوى، بل من موقع الشراكة. وهو إذ أقرّ بأنّ بعض المسؤولين في بغداد ينظرون إلى كردستان كأكثر من فيدرالية، فدعاهم بالمقابل إلى وضع هذا التصوّر جانباً والانطلاق من النصّ الدستوري كـ"مرجعية وحيدة". أما في مقاربته لموقع العراق الإقليمي، فقد أظهر بارزاني حرصاً على إبراز تحوّل البلاد من ساحة حرب إلى لاعب فاعل في محيطه، مستشهداً بنجاح قمة الجامعة العربية في بغداد كدليل على استعادة الثقة العربية بدور العراق.

 وهو إذ وصف البلاد بأنّها "غنية بمواردها الطبيعية والبشرية"، شدّد على أنّ مستقبلها السياسي والاقتصادي مرهون برؤية وطنية جامعة، لا بمعادلات المحاصصة أو الحسابات الضيقة. وعندما انتقل الحديث إلى العلاقة مع إيران، بدا بارزاني متأثراً على المستوى الشخصي والتاريخي.

تحدث عن الجمهورية الإسلامية كـ"جارة داعمة"، لا سيما في لحظات الشدة: من مأساة حلبجة، إلى سنوات النزوح، إلى حرب "داعش". لم ينسَ أن يشير إلى زيارة الجنرال قاسم سليماني إلى أربيل في أولى ساعات الخطر. العلاقة هنا، بحسب بارزاني، لا تقوم على تبادل المصالح فقط، بل على إرث طويل من الروابط الثقافية واللغوية والإنسانية. وبعيداً من التاريخ، ثمّة حاضر دافئ بين الطرفين.

 فالرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، زار أربيل وتحدّث بالكردية، وهو أمر رأى فيه بارزاني مؤشراً على "فتح صفحة جديدة". وتحت هذا العنوان، تتقدّم العلاقات في مختلف المجالات: من التجارة إلى التعليم إلى التنسيق الأمني. وفي هذا الإطار، كشف بارزاني عن أنّ 60% من التبادل التجاري بين إيران والعراق يتم عبر كردستان. وفي المسائل الأمنية، شدد بارزاني على أنّ أراضي الإقليم "لن تكون مصدر تهديد لإيران" تحت أيّ ظرف. وهو التزام عبّر عنه بوضوح، مشيراً إلى وجود آلية ثلاثية للتنسيق بين بغداد وأربيل وطهران لضمان الأمن الحدودي.

أمّا في ما يخص حزب العمال الكردستاني، فأبدى بارزاني استعداد الإقليم للعب دور مساعد في أي مسار سلمي لحلّ القضية الكردية مع تركيا، مجدداً موقفه الرافض للحل العسكري. بين كل هذه النقاط، لم يغفل بارزاني الإشارة إلى البعد الإنساني للعلاقة مع إيران، مستعيداً ذكريات لجوئه إليها في سنوات القمع. قال إنّه لم يشعر بالغربة هناك، بل عومل كأحد أبنائها. ولهذا السبب، كل زيارة يقوم بها إلى طهران تأخذه عاطفياً إلى حيّ "عظيمية" في كرج، حيث عاش جزءاً من ماضيه. نيجيرفان بارزاني، في حواره الهادئ والحازم في آن، لم يقدّم مرافعة دفاعية عن الإقليم، بل طرح سردية شراكة واقعية ومرنة، تستند إلى الدستور في الداخل، وإلى الاحترام المتبادل في الخارج. وإذا ما طُبّق ما دعا إليه، قد يكون الإقليم بوابة الحلّ بدل أن يُحمّل، مرة تلو أخرى، وزر المأزق العراقي المزمن.

 عماد الشدياق