مدير الأزمة وقائد الصراع نيجيرفان بارزاني: كيف بَنى رمزاً كردياً في زمن التفكك؟

خاص لموقع hiwar/ د هوشيار مظفر علي أمين:عندما نتحدث عن نيجيرفان بارزاني، فنحن لا نصف مجرد زعيم محلي، بل نتحدث عن نموذج سياسي نادر في بيئة تنعدم فيها موازين الاستقرار، وتتآكل فيها الهويات السياسية والمؤسسات. الرجل الذي وُصف بأنه «هادئ أكثر مما يجب»، نجح في بناء سردية كردية جديدة وسط دولة عراقية هشة وإقليم يغلي. لا يقدّم وعوداً مثالية، بل يشتغل على الممكن، ويستثمر في حدود الجغرافيا والواقع السياسي بأدوات تراكمية لا عاطفية.

مايو 6, 2025 - 05:53
مدير الأزمة وقائد الصراع نيجيرفان بارزاني: كيف بَنى رمزاً كردياً في زمن التفكك؟

وفي كل لحظة من لحظات الأزمات الكبرى التي مرت على إقليم كردستان، تحرّك نيجيرفان من موقع “مدير الأزمة” قبل أن يتقدّم تدريجياً إلى موقع “قائد الصراع”. هذه الثنائية تكشف صميم فلسفته السياسية: لا يستعرض القوة، بل يصوغ أدوات التأثير.بعد كل الازمات والصراعات ظهر نيجيرفان لاعباً مختلفاً عن بقية الطبقة السياسية الكردية. لم ينكر الازمات والصراعات، لكنه أعاد تعريفها من فعل أحادي إلى رسالة سياسية. حافظ على تماسك الجبهة الكردية رغم الخلافات العميقة، وذهب إلى بغداد مرارا وتكرارا وذهب لكل مكان بملف تفاوض  وحوار لا ببيان اعتراض اوتنازل. فتفاوض مع القوى الشيعية بواقعية، ودخل في حوار مباشر مع قادة المكونات الاخرى لا بوصفهم خصوماً أيديولوجيين بل أطرافاً في أمر واقع.

استراتيجياً، هذا التحول أنقذ كردستان من الازمة الكاملة، وسمح بحريتها في معادلة الدولة العراقية دون التخلي عن خصوصيتها.

ولقد اعتمد نيجيرفان سياسة «الاعتراف بالواقع لتعديله»، لا الصدام معه. لم يتبنَّ موقفًا تقليديًا يقوم على الشكوى من المركز، بل طوّر نموذجًا تفاوضيًا يحاول تصحيح العلاقة المالية والدستورية بين أربيل وبغداد.

أعاد صياغة مسألة النفط من ملف سيادي إلى ورقة اقتصادية تحتاج حلاً فيدرالياً وليس انفصالياً.

دفع باتجاه تثبيت موازنة سنوية ملزمة، ونجح في تسجيل بند خاص يضمن رواتب موظفي الإقليم، والبيشمركة، رغم رفض بعض الكتل لذلك.

نسّق مع حكومة السوداني ببراغماتية، كما نسق مع سابقاتها وحافظ خلالها على مكتسبات الإقليم دون كسر خطوط التماس مع المركز.

هذا المسار لا يخلو من الواقعية، ولذلك مكّن كردستان من تثبيت موقعها في الدولة بدل أن تكون على هامشها.

ونجح نيجيرفان في بناء سياسة خارجية متعددة المسارات، تعتمد على مبدأ “الحياد النشط”.

فتح العلاقة مع تركيا عبر اقتصاد الطاقة، مع الإبقاء على مسافة واضحة من التورط في صراعات أنقرة الداخلية أو في سياساتها الكردية داخل تركيا.

حافظ على علاقات وظيفية مع إيران، رغم الازمات المتكررة،

ومع واشنطن، عزّز الشراكة الأمنية في إطار التحالف الدولي، ونسّق مع وزارة الدفاع والخارجية، دون الرهان المطلق على الوجود الأمريكي.

وأوروبياً، قاد علاقات متقدمة مع ألمانيا وفرنسا، وظّفها في استقطاب دعم إنساني واقتصادي للإقليم، ونجح في الحفاظ على صورة كردستان ككيان مستقر نسبياً وسط بيئة شرق أوسطية فوضوية.

وخطابه في ميونخ2025م بعض ادلة ذلك.

في الداخل، لم يشتغل نيجيرفان على فرض سيطرة سياسية، بل حاول أن يمارس مفهوم “الحكم” بحوكمة تشاركية ميزت نيحيرفان بارزاني وبمؤسسات قابلة للتطوير.

فأطلق برامج لإصلاح القطاع المالي ومكافحة الفساد.

وتمكّن من تقليل الاعتماد على الإيرادات غير النظامية، وبدأ بإعادة هيكلة العقود النفطية بما يتناسب مع المعايير الدولية.

وفتح قنوات تفاوض مع النخب الشبابية والصحفيين.

إدارته تحاول الحفاظ على تماسك حكومي في بيئة خاصة، وعمل على شرعية المؤسسات التشريعية في الإقليم.

قوة نيجيرفان بارزاني تكمن في إدارة الازمة لا في تجاوزها. وقيادة الصواع والانتصار ،وهو سياسي يتقن التعامل مع الضعف، ويعرف أن الصلابة المطلقة وهم في بيئة داخلية وخارجية واقليمية مفتوحة على الفوضى في ازماتها وصراعاتها.

وأمام  كل منعطف استراتيجي.  استمر في إدارة الأزمة دون تحويلها إلى صراع مؤسسي، فبقي  مدير  توازنات، و صانع مرحلة.

واستراتيجيته محكومة بخطوتين:

1. إصلاح داخلي حقيقي

2. توازن دستوري جديد مع برلمان الاقليم ومع بغداد، وبرلمانها، يحوّل العلاقة من تقاسم موارد إلى تقاسم صلاحيات واضحة.

نيجيرفان بارزاني لا يقدم نفسه زعيماً تاريخياً، بل مدير ازمة وفائد صراع  يحترف البقاء في منطقة مإزومة وصراعية.

ولقد أثبت أنه مدير الازمة في  القدرة على التفاوض بلغة الدولة، والتموضع بلغة الإقليم، والبقاء بلغة التوازن في قيادته للصراع والانتصار.

ولعل هذا بالضبط ما يجعل صورته اليوم أقرب إلى رمز فخر كردي، في زمن يحق فيه للكورد وكوردستان الفخر.