كيف ينظر ترامب لكردستان؟ "على ضوء رسالته الخطية للسيد نيجيرفان بارزاني".
خاص لموقع hiwar/ طالب كاظم سعداوي:عندما يتلقى رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، رسالة خطية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطلع ولايته الثانية، فإن ذلك يتجاوز كونه مجرد إجراء بروتوكولي. الرسائل المكتوبة بخط اليد نادرة في السياسة الأمريكية الحديثة، وصدورها من رئيس مثل ترامب يحمل دلالة سياسية واضحة. فهو ليس رئيسًا تقليديًا يعتمد على الدبلوماسية الناعمة، بل رجل أعمال يرى التحالفات بعين المصلحة، ويدير السياسة كما يدير الصفقات، وهذا يثير سؤالًا أساسيًا: كيف كان ينظر ترامب إلى كردستان؟ وما الذي يحدد طبيعة العلاقة بين واشنطن وأربيل في ظل المصالح المتشابكة؟

ترامب ونيجيرفان بارزاني: علاقة استراتيجية
علاقة ترامب بكردستان لم تكن وليدة اللحظة، لكنها اتخذت منحى خاصًا خلال رئاسته. في الشرق الأوسط، حيث تتغير التحالفات باستمرار، شكّل إقليم كردستان حالة استثنائية. فقد كان حليفًا مستقرًا لواشنطن منذ مطلع التسعينيات، لكنه في عهد ترامب بعد كلنتون وبوش الابن واوباما، اكتسب أهمية إضافية، ليس فقط بسبب الدور الأمني الذي يلعبه، ولكن أيضًا بسبب طبيعة علاقته بالقيادة الكردية.
واليوم لماذا نيجيرفان بارزاني تحديدًا؟
1. واقعية سياسية: هو أمر يتناسب مع رؤية ترامب الذي يفضل الشركاء القادرين على تحقيق الاستقرار بواقعيتهم
2. القدرة على التفاوض: ترامب، الذي رأى في السياسة ساحة صفقات، وجد في نيجيرفان بارزاني شريكًا يمكن التفاهم معه بعيدًا عن العواطف السياسية، وهو ما عزز العلاقة بين الطرفين.
3. الالتزام بالأجندة الأمريكية: في الحرب ضد داعش، وقبلها ضد القاعدة، أثبتت قوات البيشمركة أنها حليف موثوق، وساهمت في تنفيذ النصر
كيف تعامل ترامب مع الملفات الكردية الكبرى؟
1. استفتاء الاستقلال 2017: أين كانت واشنطن؟
عندما قرر الأكراد إجراء استفتاء الاستقلال عام 2017، لم تقف واشنطن إلى جانبهم. ورغم أن ترامب لم يعلن رفضه صراحة، إلا أن إدارته كانت واضحة في عدم دعمها للخطوة. ضمن مصلحة واشنطن، التي كانت توازن علاقاتها في المنطقة.
• النهج الواقعي لترامب: ترامب لم يكن رئيسًا مثاليًا يتبنى قضايا تقرير المصير، بل كان واقعيا يبحث عن نتائج ملموسة.
• نيجيرفان بارزاني كعامل تهدئة: ، كان نيجيرفان هو الرجل الذي استطاع إعادة ترتيب العلاقة مع بغداد وواشنطن، وهو ما عزز صورته كشريك يمكن الاعتماد عليه.
2. الدعم العسكري: التزام مشروط
في ظل سياسات ترامب القائمة على تقليل التدخلات الخارجية، كان هناك تخوف من أن يتراجع الدعم العسكري لكردستان. لكن عمليًا، استمر هذا الدعم، لغاية اليوم في ولايته الثانية. مع ملاحظة ان استمرار الدعم كان مرتبطًا بمدى التزام البيشمركة بالاستراتيجية الناجحة ضد الإرهاب.
• ترامب لم يكن مهتمًا بتوسيع النفوذ الأمريكي في العراق، لكنه أدرك أن وجود كردستان قوية يعني وجود نقطة توازن مهمة كل الاهمية في صراعات الشرق الاوسط وامريكا طرف فيها.
3. الاقتصاد والنفط: استثمار لا التزام
كردستان تمتلك موارد نفطية ضخمة، وكان هناك أمل في أن تلعب واشنطن دورًا أكبر في دعم اقتصاد الإقليم. لكن في عهد ترامب، في ولايته الاولى، كان التركيز على دعم الشركات الأمريكية للاستثمار، وليس تقديم مساعدات مباشرة اذ لم يكن ترامب يرى في كردستان “مشروعًا اقتصاديًا” يستحق الاستثمار الحكومي المباشر (عكس اليوم في ولايته الثانية) وهو كان يدرك أن الحفاظ على استقرار الإقليم يخدم المصالح الأمريكية في العراق، ولهذا لم يسمح بانهياره اقتصاديًا.
ما بعد ترامب في ولايته الاولى: هل تتغير معادلة العلاقة؟
مع رحيل ترامب، في ولايته الاولى ومجيء بايدن تغيرت بعض ملامح السياسة الأمريكية، لكن العلاقة مع كردستان لم تتأثر جذريًا، لأن أساسها لا يعتمد على رئيس واحد، بل على المصالح الاستراتيجية. ومع ذلك، كانت هنام بعض التحديات الجديدة:
• إدارة بايدن تركز أكثر على بغداد: رغم استمرار الدعم لكردستان، فإن واشنطن كانت تحاول تقوية الدولة العراقية ككل، وليس التعامل مع كردستان بشكل منفصل.
• النفوذ الإيراني المتزايد: أحد الأسباب التي دفعت واشنطن لدعم كردستان في عهد بايدن كان الحد من نفوذ إيران، لكن اليوم، مع تغيّر التفاوضات الأمريكية، لاتفاق جديد في عهد ترامب الثاني،لم يعد هذا الملف بنفس الزخم.
• الدور الكردي المستقبلي: كردستان بحاجة إلى أن تكون أكثر استقلالية في بناء تحالفاتها، بحيث لا تعتمد فقط على واشنطن، بل تنوع شركاءها الدوليين وهو ما يدركه ترامب ومستشاروه للامن القومي.
دروس من تجربة ترامب
علاقة ترامب في ولايتيه الاولى والثانية بكردستان لم تكن مجرد علاقة دعم تقليدي، بل كانت قائمة على فهم عميق للمصالح المشتركة. ووسط إشادته بنيجيرفان بارزاني ودوره في تعزيز الاستقرار، يجد نفسه امام كردستان قوية اليوم ضمن العراق.
واليوم، التحدي أمام القيادة الكردية اليوم في ولاية ترامب الثانية وهو اتخذ موقفا مع الاكراد هذه المرة برزت ملامحه، رويدا رويدا، هو ألا تكون العلاقة مع واشنطن رهينة لرئيس بعينه، بل أن تُبنى على أسس أعمق تضمن استمراريتها بغض النظر عن من يجلس في البيت الأبيض وذلك ما يعمل عليه السيد نيجيرفان بارزاني عراقيا وكرديا على حد سواء في ذلك.
....
....
*طالب كاظم سعداوي/ كاتب وصحفي