نيجيرفان البارزاني ورؤيته للعراق وكردستان ضمن الأمن الدولي والقطبية

خاص لموقعhiwar/د هوشيار مظفر علي أمين:في عالم يتغير بسرعة، حيث تعيد القوى الإقليمية والدولية رسم ملامح النظام العالمي، يبرز العراق وكردستان بأهميتهما في معادلة الأمن الإقليمي، نقطة توازن في خريطة التحالفات المتحركة. وحضور السيد نيجيرفان البارزاني، رئيس إقليم كوردستان، عن العراق وكردستان يجسد الوحدة الوطنية، في مؤتمر ميونخ للأمن 2025 وهو لم يكن مجرد مشارك، بل كان فاعلا ومنظرا مؤكدا على أن العراق لم يعد هامشًا، بل أصبح بعد نهاية الإرهاب جزءًا من مركز النقاشات حول مستقبل الأمن الإقليمي والدولي.

نيجيرفان البارزاني ورؤيته للعراق وكردستان ضمن  الأمن الدولي والقطبية

رؤية عراقية كردية في عالم متعدد الأقطاب

في كلماته، وفي لقاءاته الثنائية مع القادة الدوليين، وطرحه الاعلامي طرح السيد نيجيرفان البارزاني تصورًا متماسكًا للأمن الإقليمي، مستندًا إلى عدة محاور أساسية:

التكامل الأمني بدلًا من الاعتماد الأحادي: أكد أن الأمن في الشرق الأوسط لم يعد مسألة تخص الدول منفردة، بل بات ضرورة جماعية. فالازمات الداخلية، والصراعات الخارجية ليست مشاكل محلية، بل تهديدات عابرة للحدود تحتاج إلى استجابة دولية منسقة.

الشراكة المستدامة مع القوى الكبرى: بدلاً من الارتباط المطلق بقطب دون آخر، يدفع البارزاني نحو نموذج من التوازن بين الولايات المتحدة، أوروبا، وروسيا، مستغلًا موقع العراق وكردستان كنقطة التقاء بين المصالح المتضاربة.

السيادة من خلال الاستقرار: بينما ينظر البعض إلى إقليم كردستان كمجرد مكون ضمن الدولة العراقية، فإنه يسعى لتعزيز وجوده عبر تكريس الأمن الداخلي، محاربة الإرهاب، وبناء مؤسسات دفاعية قوية، دون الانجرار إلى مواجهات مباشرة مع الفاعلين الإقليميين.

الدبلوماسية الأمنية: كردستان كجسر للحلول

بعيدًا عن التصورات التقليدية التي تضع المناطق الكردية ضمن ملفات الأزمات، طرح نيجيرفان البارزاني رؤية مختلفة: كردستان ليست نقطة اشتعال، بل يمكن أن تكون نقطة تهدئة. فبدلاً من أن تكون المنطقة جزءًا من صراعات إيران-أمريكا أو تركيا-الأكراد، يمكنها أن تلعب دور الوسيط، نظرًا لعلاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف.

التعاون مع أوروبا: في ظل انسحاب أمريكي تدريجي من الشرق الأوسط، يدعو نيجيرفان البارزاني ومن خلال مؤتمر ميونخ اليوم إلى تعزيز الدور الأوروبي في كردستان، ليس فقط عبر الدعم العسكري، بل من خلال بناء المؤسسات الأمنية والمدنية لمواجهة التحديات طويلة المدى.

دور العراق كحلقة وصل: بدلاً من أن يكون العراق ساحة صراع، يمكن تحويله إلى مركز تواصل بين القوى الكبرى، وكردستان لديها القدرة على تسهيل هذا التحول.

إعادة تعريف العلاقة مع الجوار: العلاقات مع تركيا وإيران وسوريا يجب ألا تبقى رهينة للصراعات القديمة، بل يمكن إدارتها عبر سياسة واقعية تحفظ المصالح المشتركة.

القطبية المتعددة ومستقبل الأمن الكردي

منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، ظل الشرق الأوسط رهينة لنظام أحادي القطب، حيث كانت الولايات المتحدة اللاعب الأساسي. اليوم، مع صعود الصين، وإعادة إحياء الدور الروسي، بعد قرب نهاية حرب اوكرانيا بجهود ترامب الذي سيجمع روسيا واوكرانيا وانكفاء واشنطن عن بعض الملفات، بعد اليوم الاول لترمب في البيت الابيض أصبح العالم يتجه نحو تعددية قطبية غير واضحة المعالم بعد. وكردستان، التي لطالما كانت ساحة لتنافس القوى، تسعى لأن تكون فاعلًا، عراقيا واقليميا ودوليا ،وليس مجرد ساحة نفوذ.

التحول من التبعية إلى الشراكة: لا يمكن الاعتماد فقط على المظلة الأمريكية أو الأوروبية، بل هو يرى انه يجب بناء قوة عسكرية وأمنية عراقية احترافية قادرة على التعامل مع التهديدات المباشرة.

استخدام الاقتصاد كأداة نفوذ: بدلاً من الاعتماد على المساعدات، يسعى البارزاني إلى تحويل كردستان إلى نقطة جذب للاستثمارات، ما يمنحها قوة تفاوضية أكبر على الساحة الدولية.

صياغة هوية كردية ضمن النظام العالمي الجديد: لا يعني تعزيز الهوية الكردية الانفصال ، بل بناء نموذج حكم فدرالي مستقر يمكنه الصمود في وجه الضغوط الإقليمية والدولية كما يرى نيجيرفان البارزاني.

نحو استراتيجية كردية للأمن الدولي

إذا كان القرن العشرين قد شهد محاولات لإضعاف أو احتواء  الكرد، فإن القرن الحادي والعشرين قد يكون لحظة إعادة تعريف هذا الدور. رؤية نيجيرفان البارزاني ليست مجرد تكتيك سياسي، بل محاولة لبناء نهج استراتيجي يمكن أن يجعل كردستان لاعبًا أساسيًا في معادلات الأمن الإقليمي، في زمن لم يعد فيه النفوذ يُقاس فقط بالقوة العسكرية، بل بالقدرة على إدارة التوازنات، وخلق البدائل وهو ما يبرع فيه نيجيرفان البارزاني برؤيتيه العراقية الوطنية والكردية التي هو أساسي فيها.