واقعية نيجيرفان البارزاني في التفاوض واستراتيجياته رؤية تحليلية

خاص لموقعhiwar/ بقلم: قاسم شفيق الخزعلي و طالب كاظم سعداوي لمجلة ادارة الازمة:لم يأتِ موقع نيجيرفان البارزاني التفاوضي من فراغ، ولم يتأسس نفوذه في بغداد على مجرد المنصب، بل على بناء طويل الأمد لمدرسة سياسية قوامها الواقعية والتدرج والانفتاح. في مشهد عراقي غارق في الاضطراب الطائفي والمصلحي، اختار نيجيرفان منهج التفاوض بوصفه طريقاً للوجود، لا مجرد أداة للحصول على امتيازات آنية. جوهر هذه المدرسة هو القدرة على قراءة اللحظة السياسية بدقة، واختيار التوقيت، وتحديد سقف الممكن، ثم البناء عليه دون صخب.

يونيو 17, 2025 - 21:06
واقعية نيجيرفان البارزاني في التفاوض واستراتيجياته رؤية تحليلية

نيجيرفان لا يتعامل مع بغداد باعتباره سياسيا عراقيا، وسط حقيقة دستورية سياسية  عراقية وكردية وطنية جامعة مركبة، لذلك بنى استراتيجيته على خط وسط لا ينهار تحت الضغط، ولا يتصلب أمام الواقع.

لا يدخل في مواجهات مفتوحة.

لا يتراجع عن الثوابت العراقية والكردية القومية.

لا يراهن على الشعارات بل على ما يُنجز فعلياً.

يتحرك وفق ميزان القوى، لا وفق العواطف أو الضغوط الآنية.

منذ 2005 وحتى اليوم، ظل التفاوض بين الإقليم والمركز يدور في مساحات الشد والجذب: النفط، الميزانية، الأمن، الحدود، السلطة. والرواتب، في كل هذه الملفات، تبنى نيجيرفان أسلوب “التفاوض  الواقعي المرن”، وهو أسلوب يقوم على:

تحديد الهدف الاستراتيجي بوضوح.

فصل الملف عن الشعارات القومية.

التفاوض من داخل المنظومة الدستورية لا من خارجها.

استخدام الوقت كعنصر ضغط وليس كعامل استنزاف.

نيجيرفان لا يفاوض ليربح معركة قصيرة، بل يفاوض ليُبقي الإقليم في قلب المعادلة العراقية دون أن يتنازل عن خصوصيته.

في ملف النفط، لم يسعَ إلى انتصار نهائي بل إلى تقنين تدريجي لوضع معقد، من خلال التفاهم مع الحكومات المتعاقبة .

في ملف الميزانية، كان يدير النقاش على مراحل: مرة عبر تحالفات تكتيكية، ومرة عبر تهدئة مع مركز القرار ، ومرة أخرى عبر استثمار الدعم العراقي للرواتب.

في ملف الأمن، عمل على تثبيت موقع البيشمركة في منظومة الدفاع الوطني فصنع واقعاً مزدوجاً مقبولاً من الطرفين بنفس عراقي عراقي كردي.

يملك نيجيرفان شبكة مودة داخل بغداد وخارجها، لكنه لا يستخدمها للضغط ، بل لبناء ثقة متبادلة:

علاقته بالقادة  قائمة على الاحترام .

تواصله مع القادة قائم على تبادل المنفعة الوطنية العراقية قبل الكردية لا الشعارات.

حضوره الدولي يعزز موقعه التفاوضي داخلياً، لكنه ولا يستخدمه الا لدعم موقف الإقليم في إطار عراقي.

من الأخطاء الشائعة اعتبار نيجيرفان مفاوضاً تجاه بغداد فقط، في الواقع هو يدير تفاوضاً مزدوجاً:

مع بغداد لحماية موقع الإقليم دستوريا.

مع الداخل الكردي لضبط التوازنات السياسية والحزبية ومنع الانقسام.

ولذلك، فإن نجاحه في التفاوض مع بغداد يرتبط دائماً بقدرته على ضبط الجبهة الداخلية. لا يخرج إلى بغداد بوفد منقسم، بل بقرار كردي موحد – أو على الأقل، قرار متماسك بالحد الأدنى.

وهو جزء من رؤيتيه العراقية والكردية وحفاظه على وحدة العراق والاقليم.

وهكذا ليس نيجيرفان رجل حزب فقط، ولا هو ابن عائلة سياسية فحسب، بل هو مشروع مفاوض دولة. واستراتيجي ومدير ازمة بنى رؤيته على:

أن كردستان هي قلب العراق والعراق قلب كردستان.

أن مصالح الشعب الكردي لا تُنتزع من خلال الضغط ، بل تُصاغ من داخل منظومتي الفاوض والتفاهم.

أن الحفاظ على هوية الإقليم لا يعني الصدام مع المركز بل التفاوض المستمر معه.

وان العراقة العراقية موازية للهوية الكردية.

واقعية نيجيرفان ليست ضعفاً، بل استراتيجية بقاء. وهو لا يفاوض لكي يربح كل شيء، بل لكي لا يخسر ما هو أهم: الاستقرار، الشرعية، والموقع. لذلك، حين يفاوض، لا يتكلم فقط باسم الإقليم، بل يتكلم من موقع  العراقي العراقي ومن يعرف معنى الإقليم في العراق، ويعرف أيضاً حدود العراق في الإقليم.

هو مفاوض عراقي دستوري قبل ان يكون قائدا كرديا...