الحكم السياسي في سوريا والعراق: تحليل مقارن في ظل الحضور الدبلوماسي الأمريكي

يونيو 30, 2025 - 00:22
الحكم السياسي في سوريا والعراق: تحليل مقارن في ظل الحضور الدبلوماسي الأمريكي

بقلم: سيروان عبد الكريم علي

سياسي وأكاديمي

 في ظل مشهد سياسي تتعدد أبعاده وتتشعب مساراته، تقدم سوريا والعراق مثالين متناقضين في أسلوب الحكم والإدارة. فمنذ عام 2003، انتهج العراق طريق الانتخابات، وخاض غمار تجربة ديمقراطية محفوفة بالمخاطر والتحديات، في حين تسلك سوريا اليوم مسارًا مغايرًا، مفضلة الاتفاقات التفاوضية على اللجوء إلى صناديق الاقتراع. وفي هذا السياق، يبرز الدور الأمريكي بوضوح كشاهد ومرشد، تجلى ذلك في توقيع اتفاقية الطاقة السورية بقيمة سبع مليارات دولار بحضور المبعوث الأمريكي توماس باراك، فضلًا عن إعلان الرئيس ترامب عن نيته في رفع اسم سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

كثيرًا ما تُشبه دساتير منطقتنا المخطوطات النفيسة المحفوظة في الخزائن دون أن تجد سبيلها إلى التطبيق العملي. فالأنظمة السياسية الشرق أوسطية تجد نفسها في مأزق حقيقي: فهي من جهة تدرك أهمية الإطار الدستوري لكسب الشرعية، ومن جهة أخرى تخشى أن يُفضي هذا الإطار إلى انتخابات حرة قد تكشف حقيقة مكانتها لدى الجماهير.

 إذا أردنا رسم خريطة للحكم في المنطقة، فسنجد العراق قد اختار طريق الانتخابات كبوابة للشرعية، لكن هذا الطريق - رغم نبل المقصد - أثبت أنه محفوف بالعقبات. فعلى مدى عقدين من الزمن، شهد العراق انتخابات متعددة، لكن النتيجة كانت إدارة تتصف بعدم الفعالية، وتوزيعاً غير عادل للثروات والمناصب، وانقساماً طائفياً عميقاً. كأن العراق أصبح مثل بيت كبير بأبواب كثيرة (الانتخابات)، لكن من يدخل من هذه الأبواب يجد نفسه في متاهة من الممرات المتشابكة.

 أما سوريا، فقد اختارت مسارًا مختلفًا تمامًا؛ إذ فضّلت اللجوء إلى الترتيبات والاتفاقات المباشرة بدلاً من الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. وتعكس اتفاقية الطاقة الأخيرة، التي بلغت قيمتها سبع مليارات دولار مع تحالف من الشركات القطرية والأمريكية والتركية، هذا النهج بوضوح. ووصف وزير الطاقة محمد البشير هذه الاتفاقية بأنها "تطبيق عملي لرفع العقوبات عن سوريا"، في إشارة واضحة إلى تفضيل الإنجاز الواقعي على الخطابات النظرية.

 في هذا المشهد المعقد، يحضر الطرف الأمريكي كعامل مُؤثر وأحياناً حاسم. فتصريح المبعوث الأمريكي باراك في أن "الإدارة السورية الحالية لا تريد الحرب مع إسرائيل" ودعوته إلى "إعطاء الإدارة السورية الجديدة فرصة" يُشير إلى نمط متكرر: البحث عن الموافقة والدعم الأمريكي كعنصر أساسي في الشرعية السياسية الإقليمية. كما أن اللقاء بين الرئيسين ترامب والشرع في الرياض في مايو 2025، والذي أثمر عن قرار رفع العقوبات الأمريكية، يُؤكد أن الطريق إلى الاعتراف الدولي يمر عبر واشنطن. وكأن الأنظمة الإقليمية تقول ضمنياً: "نحن لا نعترف بأننا رعايا، لكننا نوافق على وجود راعٍ".

المقارنة بين النموذجين السوري والعراقي تكشف عن تناقض جوهري في المنطقة: العراق جرّب الديمقراطية فحصد الفوضى والفساد رغم مليارات الدولارات المُتاحة، بينما سوريا تُراهن على نموذج "الإدارة الفعّالة" دون انتخابات، وتجتذب مليارات الاستثمارات الجديدة.

 هذا التناقض يطرح سؤالاً فلسفياً عميقاً: هل المطلوب في منطقتنا ديمقراطية حقيقية أم إدارة فعّالة؟ العراق أثبت أن الانتخابات وحدها لا تضمن الحكم الرشيد، وسوريا تُحاول إثبات أن الاتفاقات المُتوازنة قد تحقق الاستقرار والازدهار دون الحاجة لتعقيدات الصندوق الانتخابي. تبقى الحقيقة الأوضح في هذا المشهد أن الأنظمة السياسية الشرق أوسطية - سواء اختارت طريق الانتخابات أو الاتفاقات - تبحث عن إرشاد خارجي أكثر من اعتمادها على تفويض شعبي داخلي. كأنها تقول: "نحن لسنا قطيعاً، لكننا نحتاج إلى دليل يُرشدنا في الطريق".

وفي النهاية، سواء كان الطريق عراقيًا، قائمًا على انتخابات محفوفة بالتحديات، أو سوريًا، مرتكزًا على اتفاقات واستثمارات، تظل المنطقة في حالة ترقب، بانتظار نماذج حكم قادرة على الجمع بين الشرعية الشعبية والفعالية الإدارية، وتحقيق التوازن المنشود بين الاستقلال الوطني والتعاون الدولي البنّاء.