نيجيرفان بارزاني: الاستراتيجية التفاوضية كأداة لبناء النفوذ السياسي في العراق.

خاص لموقعhiwar/د هوشيار مظفر علي امين:لطالما ارتبط اسم السيد نيجيرفان بارزاني بفن التفاوض السياسي في العراق. لم يكن مجرد ممثل رسمي عن إقليم كردستان، بل تحول إلى رمز لمدرسة تفاوضية قائمة على الهدوء، التدرج، وقراءة ميزان القوى بدقة. في بلد تتسم مفاوضاته الداخلية بالتعقيد وغياب الثقة، برز نيجيرفان بوصفه مهندساً لخطاب تفاوضي متعدد الطبقات، جمع بين الواقعية والحفاظ على الثوابت القومية الكردية.

يونيو 17, 2025 - 20:37
نيجيرفان بارزاني: الاستراتيجية التفاوضية كأداة لبناء النفوذ السياسي في العراق.

لم يعتمد نيجيرفان بارزاني خطاباً صدامياً مع بغداد، بل اختار بناء “لغة مشتركة” تُبقي أبواب الحوار مفتوحة حتى في ذروة الأزمات. كان يدرك أن بغداد ليست خصماً دائماً، بل شريكاً اضطرارياً، وأن مصالح كردستان تمر عبر المركز، وأن كسب المركز لا يتم عبر الضغط وحده، بل من خلال التهدئة المقننة وربط المصالح المتبادلة.

ويُلاحظ في مفاوضاته:

إدارة الوقت بذكاء: لا يدخل التفاوض إلا بعد إعداد داخلي محكم، وتقييم ظرفي للفرص.

خطاب مزدوج مدروس: يستخدم خطاباً داخلياً قومياً يُرضي الشارع الكردي، وخطاباً سياسياً هادئاً أمام بغداد والدول.

الواقعية السياسية: لا يتمسك بمطالب غير قابلة للتحقيق، بل يعيد صياغتها تدريجياً بما يحقق جوهرها دون استفزاز الطرف المقابل.

في أكثر من محطة تفاوضية مع بغداد، أظهر نيجيرفان قدرة على انتزاع مكاسب استراتيجية دون الدخول في مواجهة مفتوحة، ومن أبرز تلك المحطات:

ملف النفط: بعد سنوات من التوتر حول تصدير نفط الإقليم، قاد بارزاني مفاوضات مع حكومات متعاقبة لتقنين تصدير النفط ضمن ترتيبات فدرالية ضبابية لكنها واقعية، حافظ فيها على الحد الأدنى من استقلالية القرار النفطي الكردي.

الموازنة: استطاع تأمين حصص للإقليم حتى في أصعب اللحظات، مستخدماً علاقاته القوية مع القوى الشيعية  والسنية.

الوجود العسكري والأمني: نجح في تحويل قوات البيشمركة إلى طرف معترف به دولياً في الحرب ضد داعش، مما مكنه من الضغط غير المباشر على بغداد من بوابة التحالف الدولي.

ولعل ابرز صفاته التفاوضية

الدبلوماسية الشخصية: يلتقي القادة وجهاً لوجه، يراعي الهويات النفسية، ينسج علاقات شخصية مع خصومه.

التحالفات المرنة: يتقن بناء تحالفات مؤقتة ومرحلية مع قوى في بغداد، حسب طبيعة الملف المطروح.

التحييد الإقليمي: لا يسمح للتجاذبات الإيرانية أو التركية أو الأمريكية أن تتحول إلى عبء تفاوضي، بل يوظفها لتقوية موقعه التفاوضي.

يتعامل نيجيرفان مع كل تفاوض كأنه أزمة يجب إدارتها لا تسويتها فقط. لا يبحث عن نصر نهائي، بل عن “توازن ممكن” يحفظ وحدة العراق دون التفريط بمكاسب كردستان. هذه البراغماتية الصامتة جعلت منه رجل الدولة الأهم في العلاقة بين الإقليم والمركز.

وهكذا نجح نيجيرفان بارزاني في ترسيخ نموذج كردي فريد في التفاوض داخل عراق ما بعد 2003. نموذج يقوم على إدراك موازين القوى، احترام الواقع، والاستثمار في العلاقات طويلة الأمد مع بغداد. لم يكن التفاوض بالنسبة له مجرد تقنية، بل استراتيجية وجود. وفي بلد تتآكل فيه الثقة، برز نيجيرفان كمفاوض يبني لا يهدم، يُراكم لا يستهلك، ويفرض وجوده من دون أن يفرض شروطه.

نيجيرفان بارزاني مفاوض ومدير ازمة وقائد صراع ومخطط استراتيجي لفن التفاوض لاجل الكرد وكوردستان.