عبد المجيد علاوي: سيرة سياسية وإدارية في العهد الملكي العراقي (1898–1991) دراسة تحليلية في أدواره البرلمانية والتنفيذية ضمن منظومة الحكم الملكي
خاص لموقعhiwar/السيد احمد عبد الكريم النعيمي الرفاعي*:المقدمة عبد المجيد حسين علاوي (1898–1991) أحد الوجوه السياسية التي ساهمت في بناء الدولة العراقية الحديثة خلال العهد الملكي. جمع بين الممارسة القانونية والتشريع النيابي والعمل التنفيذي، مما جعله يمثل نموذجًا للنخبة البرلمانية المحافظة التي شاركت في رسم ملامح النظام السياسي ما بين تأسيس الدولة في عشرينيات القرن العشرين وانهيارها في 1958. امتدت مسيرته السياسية من تمثيله لمدينة الديوانية وبغداد في مجلس النواب، إلى تعيينه عضوًا في مجلس الأعيان، إلى جانب توليه وزارتين في حكومتين مختلفتين، ما يعكس امتلاكه وزنًا سياسيا ورصيدًا إداريًا متراكماً داخل المنظومة الملكية.

أولًا: النشأة والتعليم والتكوين المهني
ولد عبد المجيد علاوي سنة 1898 في العراق في بيئة دينية تقليدية، أدخله والدهالحاج حسين علاوي الكتاتيب في سن السادسة لتعلم القرآن الكريم واللغة العربية،قبل أن ينتقل إلى الدراسة الحديثة في مدارس اللاتين والفرنسيسكان. في هذه المرحلةتتلمذ على يد الأب العلامة أنستاس ماري الكرملي، فأتقن اللغتين الإنكليزية والفرنسية،واطلع على اللاتينية.
دخل كلية الحقوق في بغداد، وتخرج منها سنة 1923، ليبدأ بمزاولة مهنة المحاماة،التي ظلت تشكل له قاعدة مهنية وسياسية مهمة حتى وفاته.
ثانيًا: المسار البرلماني والسياسي
1. نائب عن الديوانية – الدورة الثانية لمجلس النواب (1928–1930)
• انتخابه نائبًا عن الديوانية عكس وجود قاعدة محلية دعمته في جنوب الفراتالأوسط.
• شارك في برلمان لا يزال في طور التأسيس التشريعي، في ظل التوتر بين القصروالكتل السياسية الصاعدة.
• موقعه في هذه الدورة يدل على انخراطه المبكر في النشاط السياسي، وتمثيلهللطبقة المتعلمة والمهنية لا النخبة العشائرية.
2. نائب عن بغداد – الدورة العاشرة (1944–1946)
• انتقاله لتمثيل العاصمة يشير إلى توسّع نفوذه السياسي وموقعه داخل النخبةالبيروقراطية.
• برلمان 1944 شهد تحديات ترتبط بالحرب العالمية الثانية، ومحاولات إعادةالتوازن بين السلطة التنفيذية والمجتمع البرلماني بعد حركة 1941.
• كانت هذه الدورة بوابته نحو الحضور في السلطة التنفيذية، إذ تم تعيينهخلالها وزيرًا للشؤون الاجتماعية.
3. عضو مجلس الأعيان – أواخر 1957 حتى ثورة 14 تموز 1958
• اختياره لمجلس الأعيان يمثل تتويجًا سياسيًا لمسيرته، ويعكس مكانته لدىالبلاط الملكي.
• كان هذا التعيين في فترة سياسية حرجة شهدت تدهور شرعية النظاموتصاعد النزاعات الاجتماعية والإقليمية.
• وجوده في المجلس لم يحمِه من التغييرات الجذرية بعد الثورة، وقد انسحبمن الحياة العامة بعدها دون ملاحقات، لكونه لم يتورط في آليات القمع أو ملفاتالفساد.
ثالثًا: المناصب الوزارية والمسؤوليات التنفيذية
1. وزير الشؤون الاجتماعية
في وزارة حمدي الباجه جي الثانية
من 20 كانون الأول 1944 إلى كانون الثاني 1946
• تولّى الوزارة خلفًا لمحمد حسن كبة، في فترة ركزت الحكومة خلالها علىملفات العمل، والضمان الاجتماعي، وتنظيم النقابات.
• شهدت تلك الفترة بدايات ظهور مطالب الطبقة العاملة، وكان عليه التوازنبين تطلعات النقابات الوليدة وحذر السلطة من التنظيمات السياسية.
• دوره كان تقنينيًا وإداريًا، بعيدًا عن الصراع الحزبي المباشر، ما جعله مقبولًالدى النخبة السياسية والملك في آن واحد.
2. وزير المواصلات والأشغال
في وزارة مصطفى محمود العمري
من 12 تموز 1952 إلى 21 تشرين الثاني 1952
• كانت هذه الوزارة قصيرة العمر، وسط اضطرابات سياسية واجتماعية، لكنهاجاءت بعد انتفاضة عام 1952، ما وضع الوزارة أمام تحديات كبيرة.
• مسؤوليته تمثلت في إدارة ملف المواصلات والبنية التحتية، مع محاولاتلمواكبة التحولات التكنولوجية في قطاع النقل والاتصالات.
• لم تُسجل له إنجازات كبيرة في هذه الوزارة نظرًا لقصر مدتها، إلا أن تعيينهفيها يعكس استمرار حضوره في دوائر القرار.
رابعًا: السمات السياسية وموقعه ضمن النخبة الملكية
• عبد المجيد علاوي كان ضمن النخبة التي مثّلت الاتجاه القانوني–الإداري فيالسياسة العراقية، مقابل النخب العسكرية أو القبلية أو الثورية.
• حافظ على خط سياسي معتدل، ولم ينتمِ إلى تيار سياسي واضح، وإن اقتربمن الاتجاهات الليبرالية الملكية التي كانت تسعى لتحقيق التوازن بين الملكيةوالدستور.
• ظل على هامش الصراعات الكبرى داخل الدولة، ولم يدخل في خصوماتحادة، مما سمح له بالاستمرار داخل النظام حتى لحظاته الأخيرة.
خامسًا: نهاية المسيرة ووفاته
بعد ثورة تموز 1958، اختفى عبد المجيد علاوي من الساحة السياسية، شأنه شأن كثيرمن النخب الملكية التي اختارت التواري بدلاً من الدخول في صراع مع السلطةالجديدة.
توفي سنة 1991 عن عمر ناهز 93 عامًا، دون أن تُسجل له أنشطة عامة بعد سقوطالنظام الملكي، مما يعكس انسحابه الطوعي من الحياة السياسية.ويذكر ابن اخيهمحمد علاوي في مقالة له:"لقد أخبرني عمي المرحوم عبد المجيد علاوي الذي كانوزيراً في عدة وزارات في ذلك العهد وعضواً إجرائياً في مجلس الإعمار أن٧٠٪ من مواردالنفط كانت تصرف على مجلس الإعمار، من السدود الضخمة إلى الجسور إلى السككالحديدية ومحطات الكهرباء وتصفية المياه ومد الطرق داخل المدن وخارجهاومشاريع الإسكان والمصانع المختلفة والمستشفيات وغيرها، وذكر لي هذه الحادثةالجديرة بالتأمل، حيث كان وزير الإعمار هو المسؤول عن ألإجراءات التنفيذية لمجلسالإعمار ومنها إستيراد المواد الأولية لهذه المنشآت الضخمة وبالذات مادة السمنت،وكان وزير الإعمار في حينها هو المرحوم عبد المجيد محمود في الوزارة الثانية عشرلنوري السعيد التي تشكلت في أواسط عام ١٩٥٤، لقد أخطأ وزير الإعمار في إحتسابأجور نقل السمنت، حيث عرض عليه سعران، سعر واصل على ظهر الباخرة (FOB)وسعر واصل إلى الرصيف (C&F)، فظن الوزير أن سعر على ظهر الباخرة سيكون أوفرحيث يمكن تفريغ الحمولة للرصيف بسعر مناسب، ولكن تبين في الواقع أن السعرالواصل إلى الرصيف كان أرخص، فقال لي المرحوم عمي، تحدثت في مجلس الإعماروقلت له أنك لم تتحمل مسؤوليتك كوزير، وقصرت في عملك وكلفت خزينة الدولةبضعة مئات من الدنانير، وإنك لا تملك هذا المال لتعويض خزينة الدولة، لذلك أنتلست أهلاً لتحمل هذه المسؤولية، فقام رئيس الوزراء نوري السعيد في ذلك الحينبتوجيه اللوم إليه وكذلك باقي الأعضاء، وطلب رئيس الوزراء نوري السعيد منه تقديمإستقالته من وزارة الإعمار لأنه لم يكن بمستوى مسؤوليته، وفعلاً قدم إستقالته منالوزارة عام ١٩٥٥ ولكنه أبقي وزيراً بلا وزارة حفظاً لماء وجهه وعين وزير العدلية محمدعلي محمود وزيراً للإعمار بالوكالة"
وهو ما يشكل درسا في رؤيته السياسية.
خاتمة
تمثل سيرة عبد المجيد علاوي نموذجًا لطبقة من الساسة الذين انخرطوا في بناءمؤسسات الدولة العراقية الحديثة ضمن الإطار الملكي، من مواقع تشريعية وتنفيذية.
نجح في تمثيل مناطق متعددة داخل البرلمان، وشارك في حكومتين خلال فترتينمفصليتين، كما ظل فاعلًا في التوازنات الداخلية للسلطة دون أن يكون على خطالمواجهة مع الجماهير أو معارضة النظام.
يقدم مساره السياسي حالة واضحة لنمط السياسي المهني البعيد عن الشعبوية، الذيشكّل جزءًا من النخبة الحاكمة حتى انهيارها في منتصف القرن العشرين.
:::
:::
*مؤرخ وكاتب ومحقق ومؤلف من العراق له خمسة عشر كتابا في التاريخ والتحقيق والتوثيق والانساب والرؤى التاريخية، يصدر له قريبا:" الرفاعية والمغول"
وهو كبير باحثي مجموعة ادارة الازمة وعضو اتحاد المؤرخين العرب