كيف غدر صدام حسين والبكر والبعث بالزعيم مصطفى البارزاني بعد اتفاقية 11 آذار 1970؟
خاص لموقع huwar/ الدكتور هوشيار مظفر علي امين:اتفاقية 11 آذار 1970، التي وقّعها الزعيم الكردي التاريخي مصطفى بارزاني مع نائب الرئيس العراقي آنذاك، صدام حسين. كانت أول وثيقة رسمية تعترف بحقوق شعب كردستان ضمن إطار الدولة العراقية، لكنها سرعان ما تحولت إلى مجرد خدعة سياسية استخدمها حزب البعث بقيادة أحمد حسن البكر وصدام حسين لكسب الوقت وتصفية الحركة التحررية الكردية.
في أعقاب ثورة أيلول 1961 التي قادها مصطفى بارزاني، دخلت الحكومة العراقية في مواجهات عسكرية عنيفة مع قوات البيشمركة الكردية. لم تتمكن بغداد من القضاء على الثورة رغم استخدام الجيش وقصف المدن والقرى الكردية. وبعد انقلاب 1968 الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة، أدرك النظام الجديد أن الحل العسكري مكلف وغير حاسم، فاختار اللجوء إلى المفاوضات لكسب الوقت وترتيب أوضاعه الداخلية.
في 11 آذار 1970، تم توقيع اتفاقية الحكم الذاتي بين الحكومة العراقية والحركة التحررية الكردية. نصت الاتفاقية على منح الأكراد حكمًا ذاتيًا في كردستان العراق، واعتراف الحكومة العراقية بالحقوق الثقافية واللغوية والسياسية للأكراد. كانت هذه الخطوة إنجازًا تاريخيًا في النضال الكردي، لكنها كانت بالنسبة لحزب البعث مجرد أداة مرحلية لكسب ودّ الأكراد وإضعاف موقفهم السياسي.
لم يكن الزعيم مصطفى بارزاني غافلا عما يبيتون له، لكنه رأى في عقد الاتفاق فرصة لحل القضية الكردية سلميًا. سعى إلى تنفيذ بنود الاتفاق بحسن نية، مطالبًا بتطبيق الحكم الذاتي فعليًا، لكن البعث بدأ يماطل ويضع العقبات أمام التنفيذ الفعلي.
بعد توقيع الاتفاقية، بدأ النظام البعثي في بغداد بالتراجع عن التزاماته تدريجيًا. أرسل البعث عملاءه إلى كردستان لمحاولة تفكيك جبهة البيشمركة وإضعاف التأييد الشعبي للبارزاني. كما بدأ النظام بتنفيذ سياسات التعريب في كركوك والمناطق المتنازع عليها، متجاهلًا التزامه بإجراء استفتاء يحدد حدود الإقليم الكردي.
عام 1974، ومع تصاعد المطالب الكردية بتنفيذ الاتفاق، أصدرت الحكومة العراقية قانون الحكم الذاتي بشكل أحادي دون التشاور مع قيادة الحركة الكردية، متجاهلة العديد من البنود المتفق عليها. عندما رفض مصطفى بارزاني هذا التفاف، أعلن صدام حسين الحرب ضد الأكراد، مستخدمًا القوة العسكرية لسحق الحركة التحررية.
وفي 6 آذار 1975، وقّع صدام حسين مع شاه إيران اتفاقية الجزائر، التي أوقفت الدعم الإيراني للحركة الكردية مقابل تنازلات عراقية في شط العرب. أدى ذلك إلى انهيار المقاومة الكردية، واضطر الزعيم مصطفى بارزاني إلى مغادرة كردستان والتوجه إلى إيران، ثم إلى الولايات المتحدة، حيث أمضى سنواته الأخيرة حتى وفاته رحمه الله تعالى عام 1979.
لم يكن مصطفى بارزاني مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا للنضال القومي الكردي. رغم الخيانات والمؤامرات، نجح في ترسيخ الهوية الكردية ووضع أسس المطالبة بالحكم الذاتي، وهو ما مهد لاحقًا لإنشاء إقليم كردستان العراق عام 1991.
ما حدث بعد اتفاقية 11 آذار 1970 ليس مجرد خيانة سياسية، بل جزء من تاريخ طويل من التنكر لحقوق الأكراد. اليوم، وبعد 55 عامًا، لا تزال القضية الكردية حية، وما زال إرث مصطفى بارزاني حاضرًا في النضال من أجل حقوق الشعب الكردي.