أيام ميونخ 2025: نيجيرفان بارزاني واستراتيجية التوازن الإقليمي والدولي

خاص لموقع hiwar ،د هوشيار مظفر علي أمين: انعقد مؤتمر ميونخ للأمن 2025 وسط مشهد إقليمي مضطرب: هدنة هشة في غزة، وقف إطلاق نار غير مستقر بين إسرائيل وحزب الله، تصاعد الضغوط على إيران، ومستقبل سوريا الغامض بعد الإطاحة بنظام الأسد. كل هذه التوترات شكلت تحديات غير مسبوقة أمام دول الشرق الأوسط، ووضعت العراق وإقليم كوردستان في قلب إعادة صياغة التوازنات الإقليمية.

أيام ميونخ 2025: نيجيرفان بارزاني واستراتيجية التوازن الإقليمي والدولي

في هذا السياق، برز نيجيرفان بارزاني  في المؤتمر كرقم محوري، ليس فقط بسبب موقعه كرئيس لإقليم كوردستان، ولكن بسبب رؤيته الاستراتيجية التي جعلت منه نقطة التقاء لصناع القرار الدوليين الباحثين عن شريك مستقر وموثوق في منطقة تعاني من تصاعد عدم اليقين. لم يكن حضوره في ميونخ بروتوكولياً، بل كان انعكاساً لدور متنامٍ في معادلات الأمن والطاقة والدبلوماسية الدولية.

إعادة تعريف دور العراق وإقليم كوردستان في الأمن الإقليمي

أدرك نيجيرفان بارزاني أن استقرار العراق وكوردستان لا ينفصل عن الاستقرار الإقليمي. وعبر عن ذلك في خطابه ولقاءاته فلقاءاته مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، والأمين العام لحلف الناتو مارك روته، كانت جميعها تدور حول تعزيز الأمن والدفاع، ليس فقط في العراق، ولكن في الشرق الأوسط ككل.

حوار ميجيرفان بارزاني مع روبيو ركّز على استمرار الدعم الأميركي لمواجهة الإرهاب ومكافحة تنظيم داعش، وهو مؤشر على أن واشنطن لا تزال ترى في إقليم كوردستان شريكاً رئيسياً في استراتيجيتها الأمنية. لقاءاته مع مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول والمسؤولين الأوروبيين أكدت أهمية استمرار تدريب البيشمركة وتعزيز قدراتها كجزء من منظومة الدفاع الإقليمية.

هذا التحرك يعكس استراتيجية بارزاني في تعزيز موقع كوردستان كحليف أمني رئيسي في الشرق الأوسط، خاصة في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية وعدم الاستقرار السياسي في العراق.

رؤية متقدمة لعلاقات الطاقة… كوردستان كمحور استراتيجي

إحدى أبرز نقاط تركيز بارزاني في ميونخ كانت ملف الطاقة. أوروبا تسعى بشكل متسارع لتنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، وهنا برز إقليم كوردستان كطرف أساسي في هذه المعادلة.

في لقائه مع الرئيس البلغاري رومن راديف، أكد الأخير استعداد بلاده لمساعدة كوردستان في تصدير النفط والغاز إلى أوروبا. هذا التصريح لم يكن مجرد مجاملة دبلوماسية، بل إشارة واضحة إلى أن أربيل باتت لاعباً رئيسياً في مستقبل أمن الطاقة الأوروبي.

هذه الاستراتيجية تتجاوز المصالح الاقتصادية، إذ يدرك بارزاني أن تأمين موقع كوردستان في سوق الطاقة الدولي يمنحه ورقة قوة جيوسياسية يمكن استخدامها في بناء تحالفات أوسع، وتعزيز استقلالية القرار السياسي للإقليم بعيداً عن الضغوط الإقليمية.

الدور الكوردي في إعادة تشكيل سوريا ما بعد الأسد

سوريا كانت محوراً أساسياً في لقاءات بارزاني، خاصة اجتماعه مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني. سقوط نظام الأسد أعاد فتح النقاش حول مستقبل الكورد في سوريا، وهنا لعب بارزاني دور الوسيط في طرح رؤية تدعو إلى حماية حقوق الشعب الكوردي والمكونات الأخرى، والعمل على حل سياسي متوازن.

ما يجعل هذا اللقاء بالغ الأهمية هو أن كوردستان العراق باتت نقطة ارتكاز أساسية في أي معادلة جديدة لسوريا. بفضل علاقاتها المتوازنة مع القوى الغربية والإقليمية، أصبحت أربيل وسيطاً طبيعياً في المفاوضات المستقبلية. هذه الديناميكية تمنح بارزاني نفوذاً إضافياً في تحديد مستقبل شمال سوريا، وتضمن دوراً فاعلاً للكورد في أي ترتيبات جديدة.

التوازن بين القوى الكبرى… استراتيجية الاستقلالية المرنة

من النقاط التي ميزت تحركات بارزاني في ميونخ، قدرته على الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الكبرى رغم التوترات الدولية. لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين والأوروبيين كانت في سياق تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، في حين أن اجتماعاته مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان والمسؤولين الإيرانيين على هامش المؤتمر تعكس سياسة “الاستقلالية المرنة”.

إقليم كوردستان يجد نفسه في معادلة معقدة بين المصالح الأميركية والأوروبية من جهة، والضغوط التركية والإيرانية من جهة أخرى. بارزاني، من خلال استراتيجيته الدبلوماسية، يعمل على تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من هذه التناقضات، مع ضمان عدم الانجرار إلى تحالفات تفرض عليه خسائر استراتيجية.

لقاؤه مع هاكان فيدان جاء في توقيت حساس، خاصة في ظل المفاوضات حول استئناف تصدير النفط عبر تركيا. بارزاني يدرك أن أنقرة لا تزال الطرف الأساسي في المعادلة الاقتصادية لكوردستان، لكنه في الوقت ذاته لا يسمح بأن يكون ذلك على حساب الاستقلالية السياسية للإقليم.

نيجيرفان بارزاني… مهندس التوازنات الجديدة

ما كشفته لقاءات ميونخ هو أن نيجيرفان بارزاني لم يعد مجرد رئيس لإقليم كوردستان، بل بات أحد أبرز مهندسي التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط. رؤيته تقوم على:

تعزيز الاستقرار الأمني من خلال الشراكات مع القوى الكبرى

تأمين موقع كوردستان كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي

الحفاظ على توازن دقيق بين الولايات المتحدة، أوروبا، تركيا، وإيران

ترسيخ دور أربيل كوسيط أساسي في مستقبل سوريا

ومع ذلك التوجه العراقي العراقي لنيجيرفان البارزاني وهو توجه ملحوظ يتوازن مع توجه السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي يتقاسم مع السيد نيجيرفان رؤية عراقية عراقية.

هذه الاستراتيجية جعلته لاعباً لا غنى عنه في المعادلات الدولية، وحولت إقليم كوردستان من منطقة ذات طموحات محلية إلى شريك أساسي في صياغة مستقبل الشرق الأوسط. في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، يبدو أن بارزاني يضع الأسس لمعادلة جديدة، يكون فيها لكوردستان دور يتجاوز حدودها الجغرافية، ليصبح جزءاً من النظام الأمني والاقتصادي العالمي.