حين يتكلم نيجيرفان من نينوى... تصغي كردستان والعراق لمعنى القوة الحقيقية
بقلم: عطا شمیراني
لقد أثبتت التجربة السياسية في إقليم كردستان أن قوة الحزب الديمقراطي الكردستاني ليست مجرد مسألة حزبية أو تنافس انتخابي، بل هي عامل توازن واستقرار، وضمانة حقيقية لترسيخ قيم التعايش المشترك بين جميع المكونات القومية والدينية. فحيثما يقوى الحزب الديمقراطي الكردستاني، تترسخ مؤسسات الدولة، وتزدهر قيم السلام والتفاهم، وتنحسر مظاهر الانقسام والصراع.
وخلال تجمع انتخابي عقده الرئيس نيجيرفان بارزاني مع دائرة نينوى أمس، وجّه رسالة سياسية عميقة حملت بعدًا وطنيًا يتجاوز حدود الإقليم، داعيًا جماهير الحزب ومناصريه إلى التكاتف ودعم المسيرة الديمقراطية في الانتخابات المقبلة. وأكد أن “قوة الحزب الديمقراطي الكردستاني تعني قوة التعايش والاستقرار في كل مناطق العراق”. كانت تلك الدعوة أشبه بإعلان نية لتجديد العقد الاجتماعي بين المكونات، وتجسيد لرؤية نيجيرفان التي تعتبر أن السياسة مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون تنافسًا على السلطة.
نينوى، بتنوعها العرقي والديني، تمثل نموذجًا مصغرًا للعراق بكل أطيافه. ومن هذه المحافظة التي عانت ويلات الحرب والدمار، أراد نيجيرفان بارزاني أن يرسل رسالة واضحة: لا مستقبل للعراق من دون التعايش، ولا تعايش من دون مؤسسات قوية وحزبٍ قادرٍ على جمع المختلفين تحت مظلة الاستقرار. هذه الفكرة ليست جديدة في خطاب نيجيرفان، لكنها في نينوى اكتسبت رمزية إضافية، لأن المدينة كانت دائمًا مرآةً لصراع الهويات، وهي اليوم تصبح منبرًا للتلاقي والوحدة بفضل سياسات الاعتدال والانفتاح.
لقد أثبت الحزب الديمقراطي الكردستاني، عبر تاريخه الطويل، أنه ليس مجرد تنظيم سياسي، بل مدرسة في الإدارة والواقعية. فهو يدرك أن بناء الاستقرار لا يتم عبر الشعارات، بل من خلال العمل الميداني، وتكريس روح الخدمة العامة، وإشراك جميع المواطنين في صناعة القرار. لذلك، فإن المناطق التي يحكمها الحزب عادة ما تتمتع بقدرٍ أكبر من الأمن والتنمية، لأن الناس يشعرون فيها بوجود مؤسساتٍ حاضرةٍ تحمي مصالحهم وتمنحهم الأمل بالمستقبل.
منذ تولّيه رئاسة الإقليم، سعى نيجيرفان بارزاني إلى جعل التعايش المشترك سياسة دائمة لا تتغير بتغيّر الظروف. ففتح أبواب الحوار مع جميع القوى، وساهم في تهدئة الأزمات مع بغداد، وأرسى نهجًا يقوم على التفاهم لا على الصدام. وبفضل هذا الخط الواقعي المتوازن، حافظ الإقليم على استقراره في وقتٍ كانت المنطقة تغرق في دوامة من العنف والانقسام.
إن قوة الحزب الديمقراطي الكردستاني لا تكمن في عدد المقاعد أو في الهيكل التنظيمي فحسب، بل في عمق علاقته بالمجتمع، وفي قدرته على الجمع بين القومي والوطني، بين الكردي والعراقي، وبين الخصوصية والانفتاح. لقد استطاع الحزب أن يقدّم نموذجًا في إدارة التنوع، يقوم على الاعتراف بالآخر واحترام هويته، بدل محاولات الهيمنة أو الإلغاء التي عانى منها العراق لعقود طويلة.
ومن هذا المنطلق، فإن دعوة نيجيرفان بارزاني خلال التجمع الانتخابي مع دائرة نينوى لم تكن دعوةً انتخابيةً بقدر ما كانت تأكيدًا على أن الديمقراطي مشروع وطني جامع، يحمل رؤية متقدمة لمستقبل العراق. رؤية تؤمن بأن الكرد والعرب والتركمان والمسيحيين والإيزيديين يمكن أن يعيشوا معًا ضمن عقدٍ سياسي جديد أساسه الشراكة الحقيقية والعدالة والاحترام المتبادل.
لقد أثبتت التجربة أن ضعف الحزب الديمقراطي الكردستاني يفتح الباب أمام الفوضى والتشرذم، وأن قوته تعني في المقابل ازدهارًا، وأمانًا، وثقةً متبادلة بين الناس. فحين يكون الحزب قويًا، يكون صوت التعايش أعلى، وتكون إرادة السلام أقرب إلى الواقع.
وحين يتكلم نيجيرفان من نينوى، لا يتحدث إلى جمهور حزبه فقط، بل إلى كل عراقي يرى في الاستقرار قيمةً عليا، وفي العيش المشترك قدرًا لا مفرّ منه. كلماته هناك لم تكن مجرد خطاب سياسي، بل كانت تذكيرًا بمعنى القوة الحقيقية: قوة تُبنى على الثقة لا على الخوف، وعلى الشراكة لا على الإقصاء، وعلى الأمل لا على الانقسام.