من أربيل إلى واشنطن... رئاسة كوردستان تكتب معادلة التوازن الإقليمي

أكتوبر 26, 2025 - 11:13
من أربيل إلى واشنطن... رئاسة كوردستان تكتب معادلة التوازن الإقليمي

بقلم: أ.م.د. سيروان أنور مجيد

في مشهدٍ شرق أوسطي متقلّب، تبرز رئاسة إقليم كوردستان كصوتٍ نادرٍ للعقلانية والاتزان. فقد تجاوزت قيادة رئاسة الإقليم حدود الانتماء الحزبي لتجعل من موقعها عامل توازن واستقرار، في وقتٍ تعصف فيه الانقسامات السياسية بالمشهدين العراقي والإقليمي على حد سواء.

تستند فلسفة رئاسة الإقليم السياسية إلى قناعة راسخة مفادها أن الاستقرار والازدهار يزدهران حيثما تتوافر حوكمة قوية وشاملة، وبذلك يعمّ السلام والتعايش. غير أن هذا المبدأ، من منظور الرئاسة، يعكس جوهرًا أعمق: فالقوة الحقيقية لإقليم كوردستان تكمن في تعدديته وتماسك مكوّناته، لا في نفوذ أي حزبٍ بعينه.

وفي خطابه الأخير في نينوى، وصف رئيس الإقليم المحافظة بأنها «عراقٌ مصغّر»، تضم العرب والكورد والتركمان والمسيحيين والإيزيديين والكاكائيين والشبك، وهو توصيف يتجاوز البعد الجغرافي ليجسّد رؤية سياسية ترى في نينوى رمزًا لوحدة العراق الممكنة من خلال احترام التنوع والتعايش. فنينوى، في نظر رئاسة الإقليم، ليست ساحة تنافس انتخابي، بل ميدانًا لإعادة بناء الثقة الوطنية بين مكوّنات البلاد.

كما تؤكد رئاسة الإقليم أن المرحلة المقبلة في العراق هي مرحلة تطبيق الدستور لا تأويله، في تذكيرٍ مستمر بأن الحلّ يكمن في احترام الإطار الدستوري بوصفه الضامن الأوحد للعدالة والتوازن بين بغداد وأربيل، وبين المكوّنات العراقية كافة.

وعلى الصعيد الدولي، اكتسبت رئاسة الإقليم مكانةً خاصة بوصفها عامل استقرارٍ إقليمي. فبفضل دبلوماسيتها الهادئة وعلاقاتها المتوازنة مع بغداد وأنقرة وطهران وواشنطن، تحوّل إقليم كوردستان إلى شريكٍ موثوق ووسيطٍ مؤثّر في المعادلات المعقدة للمنطقة. وقد عبّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن تقديره العلني لجهود رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، شاكرًا رئاسته على دورها في حفظ الاستقرار ومكافحة الإرهاب، وهو ما يعكس احترامًا دوليًا متزايدًا لمؤسسة الرئاسة في كوردستان ودورها في الحفاظ على التوازن دون التفريط بالمصالح الوطنية.

ويمثّل نهج رئاسة الإقليم نموذجًا لقيادةٍ تُفضّل فنّ الدولة على نزعة الحزب، والحوار على الصدام. فقد جعلت من أربيل مركزًا للحوار السياسي والاقتصادي والإنساني، ومأمنًا في منطقةٍ تتكاثر فيها النزاعات وتقلّ فيها الثقة.

كما أن رؤية رئاسة الإقليم تجاه قوات البيشمركة، حين أكّد رئيسها أن «صفوفها تضم الشجعان والأبطال من منطقة نينوى»، تعكس إيمانًا بوحدة المسؤولية الوطنية، إذ إن الدفاع عن الأرض والكرامة هو واجبٌ مشترك يتجاوز القوميات والانتماءات.

من خلال هذا الخطاب المتوازن، تُعيد رئاسة الإقليم تعريف مفهوم القيادة في كوردستان من كونه تمثيلًا لحزبٍ أو جهة، إلى كونه مؤسسة دولةٍ تسعى لترسيخ الاستقرار، والتعايش، والحكم الرشيد. وإذا ما استمرت الرئاسة بهذا النهج، يمكن القول إن الإقليم يسير بثباتٍ على خطى عقلانيةٍ تجمع بين الرؤية الواقعية والانفتاح الإنساني، وبين الحكمة السياسية والحسّ الوطني العالي.

ختامًا، إذا ما استمر الإقليم على لغته المتوازنة والهادئة التي ينتهجها في زمن العواصف، حسب ما نلتمسه في إعلام رئاسته، فإنه يبرهن من جديد أن نموذج رئاسة إقليم كوردستان لا يمثل مجرد سلطة سياسية، بل فنًّا في إدارة التوازنات وحماية التعددية وبناء الثقة بين المكوّنات الداخلية والمحيطين الإقليمي والدولي، ليغدو الإقليم مثالًا حيًّا على الحكمة والاعتدال في زمن الاضطراب.