نيجيرفان البارزاني خليجياً: آفاق القوة وأركان العلاقات العامة. عن مركز ثقل جديد في المعادلة الإقليمية
خاص لموقع hiwar/د هوشيار مظفر علي امين:زيارة رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني إلى دولة الإمارات العربية المتحدة يوم أمس، ولقاؤه برئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لم تكن مجرد محطة بروتوكولية في جدول علاقات الإقليم. بل مثلت نقطة ارتكاز في مسار دبلوماسي تصاعدي، يعتمد مقاربة واقعية في بناء تحالفات متوازنة، تستند إلى ضرورات الأمن، ومصالح الاقتصاد، ومحددات الجغرافيا السياسية.

اللقاء جاء في توقيت مشحون إقليمياً:
• تصاعد التوتر بين طهران وتل أبيب
• اضطراب المشهد الأمني في العراق
• تزايد الحضور التركي في شمال العراق وسوريا
• إعادة التموضع الأميركي في المنطقة
• تنامي أدوار الوساطة الخليجية في ملفات إيران واليمن وسوريا والعراق
نيجيرفان البارزاني اختار لحظة ناضجة لطرق أبواب الخليج. الإمارات ليست مجرد مركز اقتصادي. هي طرف فاعل في ترتيبات ما بعد الصراع، وتتموضع في قلب حسابات النفوذ بين طهران والرياض وأنقرة. البارزاني يفهم ذلك جيداً.
نهج نيجيرفان البارزاني يرتكز على خمسة مرتكزات واقعية:
• التوازن الإقليمي: فتح قنوات مع دول متناقضة المصالح دون الانحياز لطرف ضد آخر.
• الاقتصاد أولاً: التركيز على الاستثمارات والبنى التحتية والممرات التجارية.
• الدبلوماسية الهادئة: تفادي التصعيد الإعلامي والسياسي، واعتماد الحوار المباشر.
• تكريس الشراكات الأمنية: خاصة في ملفات مكافحة الإرهاب وحماية الطاقة.
• الهوية المزدوجة: الإقليم كجزء من العراق ولكن بصوت خارجي مستقل.
بهذا السلوك، يتحول البارزاني من رئيس إقليم إلى “وسيط ممكن” و”شريك محتمل” و"مفاوض مهم" في الترتيبات الخليجية لما بعد النفط، وضمن معادلات ما بعد الحرب في العراق وسوريا.
والاختيار لم يكن اعتباطياً. الإمارات تتحرك ضمن استراتيجية توسع ناعم في العراق، خصوصاً بعد فتور علاقاتها مع بعض القوى السياسية المركزية. كما أنها:
• تدعم مشاريع استثمارية في البصرة والموصل وأربيل
• تنسق أمنياً مع بغداد في قضايا تمويل الجماعات المسلحة
• ترعى بعض القنوات الخلفية مع طهران ودمشق
وعلاقتها بالاقليم مهمة كل الاهمية في استراتيجيات نيجيرفان بارزاني..
والبارزاني قرأ هذه الأبعاد. وتقديره أن الإمارات ستكون شريكاً موثوقاً في تفعيل ملف الإعمار، واستقطاب الاستثمارات، وتحييد تأثيرات النزاع الإقليمي داخل كردستان.
والملاحظ أن مؤشرات اللقاء حملت دلالات واضحة:
• تأكيد دعم الإمارات لاستقرار العراق عبر بوابة أربيل
• اهتمام إماراتي بدور البارزاني كصوت معتدل داخل البيت العراقي
• إشارات إلى إمكانية توسيع التمثيل الاقتصادي والدبلوماسي بين الجانبين
• رغبة في تنشيط المحاور الخليجية – الكردستانية بوجه الاستقطاب الإيراني – التركي
هذه النقاط لا تُقرأ كأهداف مؤقتة، بل كأركان لبناء علاقة استراتيجية ممتدة.
نجح نيجيرفان البارزاني في إعادة تعريف شخصية القيادة الكردية:
• من الانغلاق المحلي إلى الانفتاح الإقليمي
• من الشعارات الثورية إلى الواقعية السياسية
• من النزاعات الحزبية إلى الدبلوماسية الهادئة
أصبح مقبولاً في طهران، مرحباً به في أنقرة، موضع ثقة في واشنطن، وفاعلا محتمل في اوربا وفي الخليج. هذا التنوع يتيح له مناورة دقيقة داخل العراق وخارجه، ويجعل من كل زيارة خطوة نحو صياغة دور إقليمي جديد للإقليم ولنيجيرفان.
نيجيرفان البارزاني يدرك هذه التحديات، لذا يسعى لتقوية أدواته التفاوضية وتقديم الإقليم كمنطقة استقرار لا كمنصة توتر.
مستقبل العلاقات: كيف يمكن للإقليم استثمار هذه اللحظة؟
• تأسيس مجلس استثماري مشترك مع الإمارات
• تعزيز التعاون في قطاعات الطاقة المتجددة والنقل والبنى التحتية
• تطوير ممرات برية وجوية بين أربيل ودبي وأبوظبي
• إشراك الإمارات في مشاريع إعادة الإعمار في مناطق سنجار ونينوى
• التنسيق الأمني في قضايا الإرهاب والتمويل والحدود
هذه خطوات عملية تكرّس علاقة شراكة لا مجاملة.
والسؤال: هل يتحول نيجيرفان البارزاني إلى مهندس توازنات العراق الخارجية؟
إذا استمر باستراتيجيته الاستشرافية في الحفاظ على هذا النهج، فسيكون الإقليم لاعباً لا مجرد متلقٍ للضغوط. الخليج يبحث عن شركاء عقلانيين، والعراق والاقليم بحاجة إلى نقاط توازن، والإقليم أمام فرصة تاريخية لصياغة موقعه في معادلة شرق أوسط ما بعد الصراعات.
الزيارة إلى الإمارات ليست نهاية المشهد، بل بدايته لرجل اسمه نيجيرفان البارزاني.