عندما يتجه نيجيرفان بارزاني نحو العمق الخليجي وسط منطقة ملتهبة تحليل في الشخصية والدور والموقع

خاص لموقعhiwar/ قاسم شفيق الخزعلي:نيجيرفان بارزاني لا يتحرك كسياسي كردي تقليدي. الرجل، ومنذ سنوات، يعيد تشكيل صورة القيادة الكردستانية بما يتجاوز حدود الإقليم. لا يبحث عن دور داخل خرائط النفوذ فحسب، بل يسعى لرسم ملامح خرائط جديدة، يكون فيها إقليم كردستان لاعباً حقيقياً لا مجرد متأثر بالتحولات.

عندما يتجه نيجيرفان بارزاني نحو العمق الخليجي وسط منطقة ملتهبة تحليل في الشخصية والدور والموقع

حين وصل نيجيرفان إلى الإمارات، امس لم تكن زيارته تعبيراً عن مجاملة دبلوماسية. كانت إعلان نية سياسية مدروسة، اختار لها توقيتاً حساساً، ولغة محسوبة، ومساراً مختلفاً عن معظم الزعامات العراقية، التي ما زالت تتحرك ضمن منطق الاستقطاب الإقليمي.

نيجيرفان يدرك أن الإقليم، بحجمه الجغرافي المحدود، لا يمكنه الاستقواء بالعدد أو الموارد وحدها. لكنه يعرف جيداً أن موقع كردستان في شمال العراق يمنحه قدرة نادرة على لعب دور حلقة الوصل، حين يحسن اختيار اتجاهه.

في رؤيته الاستراتيجية، تتحول كردستان إلى ثلاث وظائف:

منصة تواصل بين العراق والخليج

نقطة تماس بين تركيا وإيران وسوريا

موقع استثمار اقتصادي طويل الأمد في بيئة مضطربة

وهو يؤمن أن الخليج العربي، بكل ما يحمله من رأس مال واستقرار ونفوذ، يمكن أن يكون شريكاً طبيعياً لهذا الطموح، شرط أن يتحدث الإقليم بلغة المصالح، لا بلغة الشكوى أو العزلة.

لقاء نيجيرفان مع الشيخ محمد بن زايد وبقية القادة من الشيوخ لم يكن نتاج ترتيبات شكلية. الإمارات باتت تمثل محوراً جديداً في توازنات المنطقة. تمتلك أدوات الاستثمار، وتدير شبكة علاقات تمتد من واشنطن إلى طهران، وتلعب أدواراً غير مرئية في ملفات العراق وسوريا واليمن.

نيجيرفان يرى في الإمارات أربع وظائف استراتيجية:

شريك اقتصادي لا يشترط الولاء السياسي

قوة إقليمية تحترم الاعتدال ولا تفرض الوصاية

قناة اتصال مرنة مع الغرب دون تكلفة علنية

قاعدة استثمارية قادرة على نقل كردستان من الريع إلى الإنتاج

هو لا يبحث عن دعم آني. بل عن علاقة تمتد لعقدين. عن دور للإقليم داخل الخليج لا يختصره النفط ولا يحكمه الانقسام الطائفي.

تحركات نيجيرفان لا تنحصر بالإمارات وحدها. زار السعودية، فتح قنوات مع قطر، التقى بمسؤولين كويتيين، وبقي حريصاً على أن تكون علاقته بكل دولة خليجية قائمة على معادلة واضحة:

احترام سيادة الجميع

تفادي الدخول في المحاور

عرض فرص حقيقية للاستثمار

تقديم الإقليم كموقع استقرار نسبي وسط فوضى العراق

هو لا يعرض نفسه كخصم لطهران، ولا كذراع لواشنطن، ولا كورقة تفاوضية باسم أحد. يطرح نفسه كقيادة عقلانية، تدير التوازن لا تنحاز.

نيجيرفان بارزاني، منذ توليه رئاسة الإقليم، يشتغل بعقلية “القائد ورجل الدولة”. يراقب، يوازن، يتحرك بهدوء، ويتجنب التصعيد.

نجح في أن يكون مقبولاً في العواصم المتنافرة.

لم يُستَخدم من أحد، ولم يُستبعَد من أحد.

تعامل مع أنقرة بواقعية، ومع طهران بواقعية، ومع بغداد بسياسة النفس الطويل.

الآن، يدخل إلى الخليج بلغة جديدة. ليس باعتباره “كردياً من العراق”، بل كفاعل عراقي وفاعل كردي يمتلك رؤية، وإقليماً مستقراً نسبياً، وشبكة علاقات يمكن أن تخدم الطرفين.

البارزاني لا يبحث عن دعم مالي مباشر. تلك مرحلة تجاوزها. يريد للإقليم أن يتحول إلى بيئة استثمار طويلة الأجل. البنية موجودة:

أمن نسبي مستقر

موقع جغرافي مفتوح على تركيا وإيران وسوريا والعراق

موارد طبيعية غير مستغلة

عمالة شابة

قوانين استثمار مرنة

لكن ما ينقصه هو الشريك الموثوق. وهنا يأتي الخليج.

نيجيرفان يطرح كردستان كشريك مع بيئات الاستثمار  في بغداد، والمرتبكة في دمشق، والمحفوفة بالمخاطر في بيروت. مشروعه يقوم على فكرة: “أن تكون كردستان بوابةالخليج إلى قلب العراق، لا مجرد هامش جغرافي في شماله.

لقاء محمد بن زايد بنيجيرفان لم يكن لالتقاط الصور. بل لفتح ملف استراتيجي طويل النفس. الإمارات تبحث عن مناطق استثمار آمنة. وكردستان تقدم نموذجاً مقبولاً:

لا عداء أيديولوجي

لا تدخل في الشؤون الخليجية

مرونة في التعامل مع الشركات الأجنبية

قدرة على تسويق نفسها خارج الأطر الطائفية

وهذه العناصر، في ميزان السياسة الخليجية، تعني الكثير.

هل ينجح نيجيرفان في تحويل كردستان إلى لاعب في الخليجية؟

هذا هو السؤال المركزي.

النجاح لا يعتمد فقط على صداقاته الخارجية، بل على عوامل داخلية أيضاً:

هل يستطيع الحفاظ على استقرار الإقليم في وجه التحديات الحزبية؟

هل ينجح في تطوير بنية تحتية حقيقية لجذب المستثمر الخليجي؟

هل يمكنه الاستمرار في سياسة التوازن بين بغداد وأنقرة وطهران؟

هل يملك تفويضاً داخلياً يسمح له بإبرام شراكات استراتيجية تتجاوز اللحظة؟

والجواب في تحليلنا له نعم ونعم ونعم ، فسيتحول نيجيرفان إلى أكثر من رئيس إقليم. سيصبح “النافذة الكردية” التي يطل منها الخليج على مستقبل العراق.

في لحظة إقليمية حافلة بالتصعيد، يتحرك نيجيرفان بارزاني في اتجاه مختلف. لا يطلب حماية، ولا يعرض ولاء، بل يطرح شراكة.

رجل يعرف حدود قوته، لكنه يعرف أيضاً كيف يضعف خصومه دون صخب.

وفي الخليج، حيث اللغة السياسية تحترم الهدوء والبصيرة، يجد هذا النوع من القادة أذناً صاغية وفرصة ذهبية لنيجيرفان بارزاني في بوصلته الخليجية.