صور لام دوك هيان: تأملات إنسانية وقصة إقليم كردستان

أبريل 17, 2025 - 22:01
صور لام دوك هيان: تأملات إنسانية وقصة إقليم كردستان

بقلم سيروان عبد الكريم علي

 سياسي وأكاديمي

 تُعدّ مذكرات لام دوك هيان المصورة " كردستان، محبوبتي" سجلًا مؤثرًا لقصة تأسيس إقليم كردستان العراق وخصوصا مأساة النزوح الكردي عام 1991. كنتُ في التاسعة عشرة من عمري آنذاك، وقد عايشتُ تلك الأحداث بكل تفاصيلها؛ لذا أجدني متأثراً بعمق بتوثيق هيان العميق لمأساةٍ شكّلت حياتي وحياة عدد لا يُحصى من أبناء الشعب الكردي.

 ما يجعل عمل الكاتب الفرنسي، لام دوك هيان، استثنائياً هو منظوره الفريد وتجربته الشخصية العميقة. كمصور فيتنامي- فرنسي عاش بنفسه تجربة النزوح كطفل لاجئ من لاوس، مما أتاح له أن يجمع بين المهارة المهنية والتعاطف العميق في توثيقه مجموعة قصص حقيقية منذ عام 1991 وحتى اليوم. من خلال عدسته، لا نرى فقط المعاناة الصريحة للنازحين الفارين من الحرب وقوات البعث العراقي، بل نجد أيضاً لحظات الكرامة والصمود والإنسانية وسط مِحَنٍ لا تُطاق.

تقدم سردية الكِتاب رحلة هيان التي تمتد على مدى ثلاثين عامًا من ارتباطه العميق بكردستان وشعبها- البيشمركة والسياسيين والمثقفين- في تجربة تاريخية وشخصية غنية. تبدأ القصة في عام 1991 عندما وصل هيان كعامل إنساني مع منظمة "إكيليبر" غير الحكومية، ليقوم بتوزيع الطعام والدواء ومواد البناء على سكان دمرتهم الحرب والنزوح. عبر عدسته، التقط صورًا مؤثرة تعكس معاناة الأمهات اليائسات اللواتي يتصارعن من أجل لقمة العيش، والعائلات التي تشق طريقها عبر الوحل والثلج نحو مستقبل مجهول، والمجتمعات التي تعمل ببطء على إعادة بناء حياتها وسط أنقاض الصراع.

من بين مَن التقاهم عام 1991، كان هناك رجال مسلحون يتميزون بالتواضع، والإرهاق بادٍ على وجوههم، وهدوء في نبراتهم— التزامهم الوحيد حماية شعبهم. لكن عندما عاد هيان بعد عقود، ذُهل ليجد أن اثنين من هؤلاء الرجال أصبحا رئيس ونائب رئيس إقليم كردستان العراق. هذا التحول- من مخيمات اللاجئين وخنادق الجبال إلى قاعات السلطة السياسية- ترك أثرًا عميقًا في نفسه. لم يكن مجرد انعكاس لصمود الأفراد، بل رمزًا لتطور أمة بأكملها تسعى نحو الكرامة والديمقراطية والاعتراف.

 وكان أكثر ما أثّر فيّ هو ما حملته تلك الصور من صدى شخصي عميق. ففي الوقت الذي كان فيه هيان يوثق رحلة النزوح من حلبجة إلى إيران، عادت بي الذاكرة إلى والدتي، رحمها الله، وشجاعتها الاستثنائية. وهي تقود أبناءها الستة، وابنتها، وأخيها، وثمانية من أبناء أخيها، عبر تلك الحدود الخطرة من مجمع تكية بالقرب من مدينة كركوك إلى مخيم تازآباد في كرمنشاه بإيران. لقد عبّرت صور هيان عن الخوف، والدموع، والعزم، وهي ذات المشاعر التي قرأتها على ملامح وجه والدتي في تلك الأيام. كانت رحلتنا، التي استغرقت سبعة أيام وليالٍ من السير على الأقدام، جزءًا من نزوح جماعي لمئات الآلاف في الأسبوع الأول من نيسان 1991—رحلة شكّلت وجداننا، وحفرت في الذاكرة الوطنية معاني البقاء والكرامة.

إضافة إلى ذكرياته التي يسردها، يوثق الكتاب بدقة مرحلة تأسيس إقليم كردستان العراق بوصفها تطورًا تاريخيًا محوريًا يختلف جوهريًا عن المحاولات الكردية السابقة للاستقلال. ويبرز التوثيق كيف ساهم تلاقي الدعم الإنساني الدولي مع تدخل قوات التحالف بقيادة المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا في توفير مظلة حماية أتاحت للتحركات الكردية أن تتبلور في إطار سياسي واضح. وقد شكّل فرض منطقة حظر الطيران شمال خط العرض 36، عقب عملية "توفير الراحة"، نقطة تحول حاسمة، وهو ما تعكسه الصور التي تَعرض أفراد التحالف أثناء إقامة الخيام وتوفير الأمن إلى جانب العاملين في المجال الإنساني.

 تُبرز دعوة دانييل ميتران الراحلة، كما يوثقها الكتاب، الدور المحوري الذي أداه الدعم الدبلوماسي الدولي في نشأة الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق. وقد شكّل هذا الدعم – بشقّيه الإنساني والعسكري – عاملًا حاسمًا يميّز التجربة الكردية عام 1991 عن سابقتها القصيرة في جمهورية كردستان في مدينة مهاباد الإيرانية عام 1947، التي انهارت بعد شهور من إعلانها بسبب غياب الغطاء الدولي. في المقابل، أتاح التدخل الوقائي الذي رصدته عدسة هيان استمرار تجربة كردستان العراق وتطورها إلى كيان شبه مستقل، كما هو قائم اليوم.

"كردستان، محبوبتي" ليس مجرد سجل فوتوغرافي، بل شهادة حية على الإحسان الإنساني، والصمود في وجه المحن، وقوة التوثيق البصري. يوثّق عمل هيان تجارب إنسانية عايشها أهل إقليم كُردستان، مُصادقًا عليها ومُخلدًا لها في وجه النسيان. وللقارئ الخارجي، يشكّل الكتاب نافذة إنسانية عميقة على صراع إقليمي معقد غالبًا ما يُختزل في الخطابات الجيوسياسية المجردة.

 بينما أعمل حاليًا على ترجمة هذه الوثيقة القيمة للعالم الناطق باللغة العربية، وأراجع النص مع زميلتي الآنسة زهراء كوسرت، أجد نفسي أعود إلى ذكريات مؤلمة وعميقة، أذرف الدموع أحيانًا. تذَكُّرُنا نظرةُ هيان المتعاطفة أن وراء كل أزمة لاجئين توجد قصص إنسانية فريدة تستحق الاهتمام والرعاية. من خلال توثيق هذه اللحظات من التاريخ الكردي بحساسية عالية، يبدع لام دوك هيان في تقديم عمل لا يعدّ كتابًا فحسب، بل جسراً يربط بين الثقافات والأجيال.