طريق نحو السلام في الشرق الأوسط
خاص لموقع hiwar/ د زياد حمد الصميدعي:تحلل هذه الدراسة الرؤية المتقدمة للرئيس نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان، حول القضية الكردية في الشرق الأوسط وتحلل رؤيته الدبلوماسية التي تؤكد على الحوار بدلاً من المواجهة. توضح الدراسة كيف أن هذه الرؤية الفريدة من قبل الرئيس نيجيرفان بارزاني، تدعو إلى حل القضية الكردية ضمن إطار الدول الحالية، وليس من خلال العنف. من خلال تقديم الأكراد كشركاء في استقرار المنطقة وليس كخصوم، يمثل هذا النهج فلسفة سياسية ناضجة لها تأثير مهم على السلام المستدام في الشرق الأوسط.

المقدمة
القضية الكردية هي واحدة من أكثر التحديات الجيوسياسية تعقيداً وطويلة الأمد فيالشرق الأوسط. في الدول الأربع العراق وإيران وتركيا وسوريا، واجه السكان الأكراد علىمر التاريخ التهميش وإنكار حقوقهم والقمع.
يقدم الخطاب الجديد للرئيس نيجيرفان بارزاني تحولاً نموذجياً في كيفية مقاربة القادةالأكراد لهذه التحديات طويلة الأمد. تستكشف هذه الدراسة الأسس الفلسفيةوالتأثيرات الاستراتيجية والنتائج المحتملة لهذه الرؤية الدبلوماسية، التي تعطيالأولوية للتعاون السلمي بدلاً من المواجهة. لا يمكن التقليل من أهمية هذا النهج،حيث أنه يمثل نضج الفكر السياسي الكردي ويقدم إطاراً لحل النزاعات في جميع أنحاءالمنطقة.
الإطار النظري: الحل السلمي من خلال الحلول المخصصة لكل حالة
المبدأ الأساسي لنهج رئيس إقليم كردستان هو أن القضية الكردية تتطلب حلولاً خاصةضمن الإطار الدستوري والقانوني الخاص بكل دولة. بدلاً من تطبيق صيغة واحدة ثابتةعلى مختلف الحالات الوطنية، يعترف هذا النهج بالحقائق التاريخية والسياسيةوالاجتماعية المختلفة في العراق وإيران وتركيا وسوريا.
الجوانب الرئيسية لهذا الإطار النظري هي:
١- حلول مخصصة لكل حالة: يجب معالجة القضية الكردية بشكل مختلف في كل دولةوفقاً لوضعها التاريخي والدستوري والديموغرافي الخاص.
٢- الاحترام على أساس الحقوق: يجب طرح الحلول ضمن حدود الدول الحالية.
٣- الحوار المؤسسي: التأكيد على القنوات الدبلوماسية والمؤسسية المعتادة بدلاً منالطرق غير القانونية أو العنف.
٤- الاعتراف التاريخي دون التضحية: الاعتراف بالظلم التاريخي دون استخدامه لتبريرالانتقام أو استمرار المشاكل.
تستخدم هذه الدراسة تحليل الخطاب لخطاب الرئيس نيجيرفان بارزاني، مناقشةالمواضيع الرئيسية والاستراتيجيات البلاغية والتأثيرات السياسية. يكتمل التحليلبتحديد السياق التاريخي للحركات الكردية في الشرق الأوسط والتحليل المقارن معالمناهج السابقة للقضية الكردية.
التحليل: المكونات الرئيسية للرؤية الدبلوماسية
أولاً: الأكراد كشركاء في الاستقرار، وليس تهديداً
حجر الأساس في هذا النهج هو إعادة صياغة السكان الأكراد ليس كعنصر مزعزعللاستقرار أو تهديد لأي دولة، بل كشركاء ضروريين لتحقيق الاستقرار والتنمية فيالمنطقة. هذا انحراف ملحوظ عن السرديات التي تصور الأكراد كضحايا أو غزاة.
يؤكد الرئيس نيجيرفان بارزاني أن الأكراد، أينما كانوا، هم عامل استقرار وليس عدماستقرار. إنهم يسعون إلى حلول سلمية وتقدم ضمن إطار دولهم، وليس على حسابها. هذا الموقف يقدم كردستان كفاعل إيجابي يساهم في الأمن الإقليمي والتنمية.
ثانياً: الحوار والتفاهم كطريق وحيد مناسب
يضع الخطاب بقوة الحوار والتفاهم المشترك والاتفاق السلمي مع الدول الأربع كطريقوحيد واقعي ومقبول لحل القضايا الكردية. هذا الرفض للعنف والتدخل الخارجييعكس رغبة واضحة في إنهاء الصراع طويل الأمد من خلال القنوات الدبلوماسيةوالمؤسسية.
ثالثاً: احترام سيادة الدولة مع الدفاع عن الحقوق
هناك توازن متقدم بين احترام السلامة الإقليمية للدول المضيفة والدفاع عن حقوقالأكراد. يوضح النهج أن حل القضايا الكردية لن يهدد جغرافية أي من الدول الأربع، لأنالحلول تقترح ضمن أطر دستورية وقانونية.
يظهر هذا الموقف حسن النية والصدق، ويتوافق تماماً مع القانون الدولي ومبادئاحترام السيادة الوطنية. يخلق أساساً لبناء الثقة الضرورية لأي سلام دائم.
رابعاً: الاستخدام المثمر للذاكرة التاريخية
مع الاعتراف بمعاناة الأكراد على مدى عقود من التهميش والإنكار والقمع، يستخدمالنهج هذه الذاكرة التاريخية ليس لزيادة الكراهية، بل للدعوة إلى المصالحة التاريخية. هذا الاستخدام الأخلاقي للتاريخ يعزز مصداقية النهج ويمنحه بعداً إنسانياً عميقاً.
خامساً: وحدة الأكراد كشرط مسبق للحوار الخارجي
يبرز الخطاب أهمية وحدة الأكراد، خاصة في سوريا، ويشجع القوى الكردية على الاتفاقعلى رؤية موحدة ومطالب مشتركة. هذا يظهر وعياً سياسياً بأن الوحدة الداخلية يجبأن تسبق الحوار الفعال مع الأطراف الأخرى.
سادساً: التكاملية
يؤكد الرئيس بارزاني أن تطور إقليم كردستان مرتبط باستقرار العراق، وأن قوة كردستانتدعم العراق وليست عبئاً عليه. يؤسس هذا المفهوم لرؤية تكاملية تعزز مفهومالشراكة الداخلية القائمة على أساس سلام العراق وتزيل الشكوك وعدم الثقة.
التداعيات على السلام الإقليمي
إنشاء إطار للتعاون الإقليمي
تضع الرؤية الأساس لمشروع سياسي أوسع يمكن، إذا حظي بدعم داخلي وخارجي، أنيصبح مبادرة سياسية كردية موحدة تدعو إلى حوار واسع بين الأكراد والدول التييعيشون فيها. يمكن استخدام هذا كدليل لحل النزاعات العرقية والدينية الأخرى فيالمنطقة.
التحول من تفكير محصلة الصفر إلى محصلة إيجابية
من خلال التأكيد على أن السلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه من خلال انتصار طرف علىآخر، بل فقط عندما يشعر الجميع بأنهم شركاء في المصير والمستقبل، يحول النهجالخطاب من المنافسة إلى التعاون. هذا يمثل فهماً متقدماً لآليات التنمية العالمية.
التنمية المستدامة من خلال الحكم الشامل
يربط الخطاب بين التعايش السلمي والاستقرار والتنمية، ويعترف بأن التهميش يضعفالتنمية المستدامة. هذا يتوافق مع الفهم المعاصر بأن الحكم الشامل شرط مسبقللتنمية الاقتصادية والاجتماعية طويلة المدى.
الخاتمة: من الرؤية إلى التنفيذ
خطاب الرئيس نيجيرفان بارزاني هو أكثر من مجرد خطاب؛ إنه إعلان متقدم لاتجاهسياسي معتدل ومسؤول يقدم حلاً سلمياً وعادلاً للقضية الكردية. إنه يفتح نافذةجديدة نحو مستقبل أكثر توازناً وتشاركاً.
يضع النهج الأكراد كدعاة لسلام شامل يفيد جميع الأطراف، وليس فقط السعي وراءحقوقهم. يقدم التعايش بين الشعوب والأمم ليس فقط كضرورة إنسانية، بل كمصلحةسياسية وتنموية. والأهم من ذلك، يرى التعايش ليس كاتفاق مؤقت، بل كأساس دائمللاستقرار والتقدم في الشرق الأوسط.
تخلص هذه الدراسة إلى أن الرؤية الدبلوماسية للرئيس بارزاني تقدم فرصة مهمةلتحويل القضية الكردية إلى محفز للتعاون الإقليمي. ولكن، يتطلب التنفيذ الناجح:
1. رسالة مستمرة عبر جميع الكيانات السياسية الكردية
2. الترحيب من قبل حكومات الدول المضيفة
3. دعم دبلوماسي دولي
4. خطوات ملموسة لبناء الثقة
5. إطار مؤسسي للحوار المستمر
في منطقة غالباً ما تعرف بمواقف الأغلبية وتفكير المحصلة الصفرية، يمثل هذا النهجالمعتدل والقائم على الحوار تطوراً تحولياً في جيوسياسية الشرق الأوسط. وكما يقولالرئيس نيجيرفان بارزاني ببلاغة، "السلام قوة، والسعي للسلام نهج أصحاب الإيمانوالقوة."
:::::
::::
المصادر
- خطاب الرئيس نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان، في الجامعةالأمريكية-السليمانية.
- الشرق الأوسط. رئاسة إقليم كردستان.
- بنجيو، أ. (2022). صحوة الأكراد.
- غونتر، م. م. (2021). الأكراد: تاريخ حديث.
- فان بروينسن، م. (2016). الهويات الكردية.
-