موقع إيلاف: الاهتمام الروسي بكردستان العراق- إقليم آمن ضمن بؤرة صراعات

يشهد التعاون الدبلوماسي الروسي مع حكومة كردستان – العراق تزايداً ملحوظًا، يتضح من خلال الزيارات الرفيعة المستوى بين مسؤولين روس وأكراد. أهداف تلك الزيارات متنوعة، وأغلبها تتمحور حول الطاقة، والمسائل العسكرية والأمنية، ويؤكد الطرفان بأنّها لضمان الاستقرار في الإقليمي الأوسع وفي المنطقة.
موسكو تدعم "الحكم الذاتي" الكردي ضمن دولة العراق، وتعتبر أنّ هذا الدعم يرسّخ مكانتها كـ"وسيط" في الديناميكيات السياسية المعقدة في الشرق الأوسط. آخر تلك اللقاءات حصلت في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، حيث اجتمع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وناقشا علاقات روسيا مع العراق والإقليم، خصوصاً في المجال الاقتصادي.
الطرفان تبادلا كذلك وجهات النظر بشأن الأوضاع العامة في العراق والمنطقة والتطورات السياسية والأمنية الراهنة. كما أكدا على اهتمامهما وحرصهما على العلاقات بين روسيا وإقليم كردستان، إلى جانب التأكيد على "الرغبة الثنائية" في توسيع التعاون المشترك بمختلف المجالات.
بحسب الدبلوماسية الكردستانية، فإنّ روسيا هي حليف استراتيجيّ مهمّ، وذلك نظراً لموقع الإقليم الجيوسياسي ودوره في السياق العراقي الأوسع. كما زادت روسيا من انخراطها في إقليم كردستان بشكل مطرد على مدار العقد الماضي، وقد برزت اهتمامات موسكو بالإقليم من خلال الملفات التالية:
١- التعاون في مجال الطاقة:
يُعد قطاع النفط والغاز على رأس اهتمامات روسيا في إقليم كردستان. فحكومة الإقليم غنية بالموارد الطبيعية، وقد حرصت روسيا من خلال شركاتها الكبرى في مجال الطاقة، على إبرام عقود طويلة الأجل في هذا القطاع المربح.
لعبت شركة "روسنفت" (إحدى أكبر شركات النفط الروسية المملوكة للدولة) دوراً محورياً في الإقليم. في العام 2017، وقّعت "روسنفت" صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار للاستثمار في حقول النفط الكردية. كما تشارك الشركة في الاستكشاف والإنتاج، ويُتوقع أن يتضاعفان في المستقبل.
اعتبارًا من عام 2020، بلغ إنتاج إقليم كردستان اليومي من النفط نحو 450 ألف برميل، وتساهم حصة "روسنفت" بشكل كبير في هذا الرقم. وعلاوة على ذلك، فقد سبق أن وافقت "روسنفت" على تطوير خطوط أنابيب لنقل النفط الكردستاني إلى الأسواق العالمية. ولا يقتصر دور الشركة على تعزيز الحضور الاقتصادي لروسيا في المنطقة فحسب، بل يعزز تفاعلها الجيوسياسي أيضاً.
ووفقًا للتقديرات، فإن الاستثمارات الروسية في قطاع الطاقة في إقليم كردستان قد تصل لأكثر من 5 مليارات دولار خلال العقد المقبل، وهو ما سيُسهم بشكل كبير في تعزيز المصالح بين الجانبين وزيادة نفوذهما في المنطقة.
2. العلاقات التجارية:
تشهد التجارة بين روسيا وإقليم كردستان نمواً ملحوظًا. فوفق وزارة التجارة والصناعة في كردستان، فإنّ حجم التجارة بين روسيا والإقليم يشهد ارتفاعاً ملحوظاً منذ العام 2020 متخطياً 300 مليون دولار.
"حبة الكرز" التي تزّين تلك العلاقة التجارية بين الطرفين، هي صادرات روسيا للآلات الزراعية ومواد البناء والمواد الكيميائية. بالإضافة إلى ذلك، اهتمام الشركات الروسية المملوكة للدولة في الاستثمار بمشاريع بنية تحتية مختلفة في جميع أنحاء المنطقة.
3. التعاون الأمني والعسكري:
يُعزى انخراط روسيا العسكري في إقليم كردستان أيضاً إلى اعتبارات أمنية. ولطالما كانت قوات البيشمركة الكردية حليفاً رئيسياً في الحرب ضد تنظيم "داعش". وقد سعت روسيا إلى تقديم مساعدات عسكرية لتعزيز قدرات الإقليم الأمنية، كما وقّعت الحكومة الروسية اتفاقيات عدة من أجل تزويد الإقليم بالمعدات العسكرية، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والأسلحة الثقيلة والمركبات العسكرية.
تعاون موسكو مع إربيل يخدم هدفهما الأوسع المتمثل في توسيع نفوذهما في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الثورة السورية، ثم الحرب ضد "داعش"... وما تلاهما من صراعات في المنطقة.
تلك الحروب رسّخت لروسيا مكانتها كـ"قوة فاعلة" في المنطقة، كما عزّزت من دور كردستان كإقليم آمن في بؤرة صراعات مستعرة، تحوّل إلى واحة للتلاقي بين القوى الكبرى وتلك الإقليمية الفاعلة، وقد ساعده على الفوز بهذا الدور، السياسة الخارجية التي تتبناها السلطات في الإقليم القائمة على مبدأ "تصفير الأزمات" مع الجيران... ولعلّ هذا ما دفع موسكو إلى البحث عن شركاء إضافيين جدد في المنطقة، يساعدها على موازنة النفوذ الأميركي في المنطقة. وبالإضافة إلى الأسلحة، تربط الإقليم بروسيا علاقة عسكرية لوجستية تتمثل في التدريبات والمساعدات الفنية التي تقدمها موسكو لقوات الأمن الكردية، من أجل تعزيز الاستقرار في المنطقة... وهو ما تنظره إليه إربيل على أنّه ضمان إضافي لتأمين طرق الطاقة.
4. العلاقات الإنسانية والثقافية:
في إطار الدبلوماسية الثقافية، تعمل كل من روسيا وإقليم كردستان على تعزيز العلاقات بين الشعبين، حيث تُقدّم روسيا منحاً دراسية للطلاب الأكراد من أجل الدراسة في جامعاتها، ولا سيما في مجالات الطاقة والعلوم والتكنولوجيا. كما تُنظَّم بين البلدين فعاليات وتبادلات ثقافية لتعزيز الثقافة واللغة الروسية في المنطقة.
إذاً، يبدو مستقبل العلاقات الروسية - الكردية واعداً، لا سيما مع استمرار روسيا في الاستثمار في مشاريع الطاقة وتعميق تعاونها العسكري مع حكومة إقليم كردستان. وعليه، يمكن القول إنّ العلاقة بين الطرفين ستواصل تطورها على الرغم من التحديات، وقد تصبح أكثر قوة، وأكثر تأثيراً في السياسة الإقليمية والدولية.