الطلاق في إقليم كوردستان: بين الواقع والتحديات الاجتماعية

يونيو 9, 2025 - 13:28
الطلاق في إقليم كوردستان: بين الواقع والتحديات الاجتماعية

بقلم: لينا بنيامين داود

شهد المجتمع الكوردستاني في السنوات الأخيرة تحولًا ملحوظًا في بنيته الاجتماعية، ومن أبرز الظواهر التي باتت تثير الجدل والقلق هي ظاهرة الطلاق. فقد أصبح الطلاق، الذي كان يُنظر إليه في السابق كأمر استثنائي يحدث في حالات نادرة، واقعًا شائعًا تتزايد نسبته بشكل لافت، مما يستدعي الوقوف عند أسبابه وتداعياته، وتأمل سبل معالجته من منظور اجتماعي وثقافي واقتصادي.

 إن من أبرز الأسباب التي تقف خلف تزايد حالات الطلاق هو ضعف التفاهم بين الزوجين. فالكثير من الأزواج يفتقرون إلى القدرة على إدارة الخلافات بشكل حضاري، مما يجعل من المشكلات البسيطة سببًا في تصاعد التوتر إلى حد القطيعة. كما أن الزواج المبكر، الذي ما زال منتشرًا في بعض مناطق الإقليم، يسهم بشكل كبير في هشاشة العلاقات الزوجية، إذ يدخل الشباب في مسؤوليات أسرية قبل أن يمتلكوا النضج الكافي لتحملها. ولا يمكن إنكار دور العنف الأسري، سواء كان نفسيًا أو جسديًا، في دفع العديد من النساء إلى طلب الانفصال، خاصة في ظل غياب الدعم الأسري والمجتمعي لضحايا العنف.

في جانب آخر، تظهر الخيانة الزوجية كعامل يهدد الثقة بين الطرفين، وعند انكسار هذه الثقة يصبح من الصعب إعادة بناء العلاقة من جديد. كذلك، يلعب التدخل المفرط من الأهل، سواء من جهة الزوج أو الزوجة، دورًا سلبيًا في زعزعة استقرار الحياة الزوجية، خاصة عندما يكون أحد الطرفين غير قادر على اتخاذ قراراته باستقلالية. كما أن الضغوط الاقتصادية وقلة الدخل وعدم الاستقرار المهني تشكل أرضًا خصبة للخلافات الزوجية، فالفقر لا يُضعف الجسد فقط، بل يمتد ليقوّض العلاقات العاطفية ويستنزف قدرة الإنسان على الصبر والتفاهم.

لا يتوقف أثر الطلاق عند حدود الزوجين فقط، بل يمتد ليشمل المحيط الاجتماعي بأسره. فالأطفال، بطبيعة الحال، يكونون الضحية الأولى لهذا الانفصال، إذ يواجهون مشاعر الخوف والضياع وعدم الأمان، وقد تظهر عليهم مشكلات سلوكية ونفسية تؤثر في نموهم وتحصيلهم العلمي. أما المرأة المطلقة، فلا تزال تعاني من نظرة مجتمعية قاصرة، تحمّلها مسؤولية فشل العلاقة، وتُقصيها عن بعض الفرص الاجتماعية والمهنية، رغم أن الكثير منهن يكنّ قد تعرضن للظلم أو الإهمال. في المقابل، يواجه بعض الرجال أيضًا تحديات نفسية ومجتمعية بعد الطلاق، لا سيما عندما يكونون قد خسروا أولادهم أو عانوا من أحكام قضائية تؤثر على حياتهم اليومية.

ومن المؤثرات المعاصرة التي لا يمكن تجاهلها، تلك المتعلقة ببيئة العمل. ففي حالات عديدة، يؤدي انشغال أحد الزوجين بشكل مفرط في العمل إلى تقليص مساحة التواصل بين الطرفين، مما يؤدي إلى برود في العلاقة. كما أن الضغوط النفسية الناتجة عن بيئة العمل تؤثر سلبًا على المزاج العام، وتجعل الشريك أكثر عرضة للانفعال. ولا يمكن إغفال تأثير الفارق في المستوى المهني أو المادي، خاصة إذا كانت الزوجة أكثر تفوقًا، مما قد يسبب مشاعر من الغيرة أو التوتر. كما أن بيئات العمل المختلطة أحيانًا تولد شكوكًا بين الطرفين، إذا غاب الثقة الكافية.

 تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الطلاق في إقليم كوردستان في تصاعد مستمر، حيث تجاوزت في بعض المدن نسبة 30% خلال السنوات القليلة الماضية. وغالبًا ما تحدث حالات الطلاق خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج، مما يدل على ضعف الإعداد النفسي والاجتماعي للزواج. وتسجل المدن الكبرى مثل أربيل والسليمانية ودهوك النسب الأعلى من حالات الطلاق، ما يدل على أن الظاهرة لا ترتبط فقط بالمناطق الريفية أو الفقيرة، بل تشمل كافة الطبقات والفئات.

 أمام هذا الواقع، تظهر الحاجة الملحة إلى وضع حلول جذرية وشاملة للحد من هذه الظاهرة. ومن أبرز هذه الحلول ضرورة نشر الوعي الأسري بين الشباب المقبلين على الزواج، من خلال حملات توعوية إعلامية وتعليمية تركز على مهارات التواصل وحل النزاعات. كما يجب اعتماد دورات تأهيلية إلزامية قبل الزواج، تتناول الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية للحياة الزوجية. ويُعد توفير مراكز دعم نفسي وإرشاد أسري خطوة ضرورية لمرافقة الأزواج، خاصة في السنوات الأولى من الزواج، ومساعدتهم على تجاوز الخلافات.

ولا يمكن إغفال أهمية تمكين المرأة اقتصاديًا وتعليميًا، حتى تكون قادرة على اتخاذ قراراتها بحرية، دون الخضوع لضغوط مادية أو مجتمعية. كما يجب تعديل القوانين المنظمة للعلاقات الأسرية، بما يضمن حقوق الطرفين ويشجع على المصالحة قبل الطلاق. وينبغي أيضًا أن تهتم المؤسسات وأرباب العمل بتوفير بيئة مهنية متوازنة، تحترم التوازن بين الحياة العملية والعائلية، عبر ساعات عمل مرنة، وإجازات مدفوعة، وبرامج دعم نفسي للموظفين.

في الختام، إن ظاهرة الطلاق في إقليم كوردستان ليست قضية فردية أو ظرفية، بل هي أزمة اجتماعية حقيقية تهدد استقرار الأسرة والمجتمع. ولعل الحل لا يكمن فقط في علاج النتائج، بل في الوقاية المبكرة من خلال بناء ثقافة أسرية ناضجة، تقوم على الحب، والاحترام، والمشاركة، والوعي.