إيران ضربت القواعد الأمريكية في قطر ولكن لم تضربها في أربيل...!

بقلم: د. سيروان أنور مجيد
إن من يمرّ مرّ الكرام على عالم الشرق الأوسط ليرى أنها منطقة ملؤها الصراع والمشاحنات؛ بل هي يُعتبر بؤرة توتّرات مستمرة بين دول وإيديولوجيات متعددة، تجمعها تاريخ مشترك لكنه مليء بالتحديات والصراعات المعقدة التي لم تجد حلولاً جذرية حتى اليوم..
وفي عالمنا اليوم، نرى هذا الصراع جليّاً أكثر بين إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة، والتي عادة ما يجنح إلى حليفها إسرائيل في الأخير، فهي أمريكا المصغرة في المنطقة إن تكلّف الأمر. ومن هنا، فإنّ هذا الصراع لا يدور فقط على صراع مصالح، بل معركة وجود. إذ كل طرف يرى الآخر تهديدًا مباشرًا لاستقراره الإقليمي أو لشرعيته السياسية. ومع تصاعد التوترات في السنوات الأخيرة، أنتجت حربا إسرائيلية وإيرانية؛ فضلاً عن المداخلة الإيرانيّة؛ فلو استمرّت على هذا المنوال لتحول هذا الصراع إلى حرب واسعة، قد تكون الأكثر تدميرًا في تاريخ المنطقة.
وعليه، فإنّ الحرب بين إيران وإسرائيل ليست حربًا شاملة حتى الآن فحسب؛ بل تُوصف بـ "حرب ظل" طويلة ومعقدة تشمل صراعات مباشرة وغير مباشرة، وتهديدات متبادلة، وهجمات سيبرانية، وعمليات استخباراتية، وضربات جوية محدودة.
فحتى تاريخ يوليو 2025، إنّ الولايات المتحدة الأمريكية لم تشن حربًا مباشرة واسعة النطاق ضدّ إيران، لكنّها نفّذت عمليات عسكرية محدودة ضد أهداف إيرانية أو مرتبطة بإيران، وخاصة في سياق الصراع الإيراني-الإسرائيلي أو مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. ولعلّ أبرزها تمثّلت في العمليات الجوية الدقيقة و الهجمات السيبرانيّة ضد البنية التحتية الإيرانية، والاغتيالات والعمليات الخاصة العقوبات الاقتصادية كجزء من الحرب الشاملة، إلى جانب تنسيقها مع إسرائيل...
ومن هنا، بإمكاننا القول:
لا توجد حرب مفتوحة بين أمريكا وإيران، لكن هناك ضربات أمريكية محدودة ومستهدفة تشكل جزءًا من صراع أوسع مع النفوذ الإيراني. وهذه العمليات كانت تهدف إلى تقويض قدرات إيران دون الوصول إلى صراع شامل قد يجر المنطقة إلى حرب مدمرة، ولكن هذا الحرب أثار حفيظة إيران؛ مما جعلتها تهاجم القواعد الأمريكية في المنطقية.
ومن هنا سؤال يطرح نفسه بقوّة: لماذا إيران ضربت القواعد الأمريكية في قطر، وأحدثت حالة من الهلع والخوف والنزوح لدى مواطني قطر، الذين لم يروا سماء دولتهم مليئة بالصواريخ الإيرانية، جاعلة لياليهم نهاراً منذ ولادة هذه الدولة، في حين لم تهاجم أربيل التي تحتضن أكبر قنصلية أمريكية في المنطقة؛ إلى جانب قواعد أمريكيّة فيها ولو بشكل غير مرئي، ولعل السبب يرجع إلى الأمور الآتية:
إنّ إيران شرعت لاستهدف قطر لجملة من الأسباب، ولعل أبرزها كالآتي:
- وجود قواعد أمريكية كبرى، فقطر تستضيف قاعدة "العديد" الجوية، وهي من أهمّ القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي حال نشوب حرب مفتوحة، قد تعتبر إيران هذا الموقع هدفًا عسكريًا مشروعًا.
- هذا إلى جانب علاقات قطر مع واشنطن وتل أبيب، فإن دعمها لبعض سياسات الغرب، أو تسهيلها لقنوات الاتصال مع إسرائيل، قد يُفسر في طهران كنوع من "المواءمة" مع أعدائها.
- كما وأن الرسائل الاستراتيجية من ضرب قطر، إذ إنّ إيران ترى استهداف قطر كوسيلة لإرسال رسالة إلى الولايات المتحدة، وليس إلى قطر نفسها، خصوصًا أن استهداف الخليج سيُربك حلفاء أمريكا.
- ومعطوفاً على ما سبق، فإن ضرب قطر يعني ضرب منصّة أمريكية، مختصرة في قاعدة العديد الجوية فيها أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي، ومركز قيادة للعمليات الجوية في الشرق الأوسط، كما وتحتوي على مخازن ضخمة للأسلحة. هذا إلى جانب تحركات قطر الدبلوماسية من خلال دور الوساطة القطري بين حماس وإسرائيل قد أغضبت إيران، إذ رأت أنه يميل للضغط على فصائل المقاومة، إلى جانب وجود قنوات مفتوحة مع إسرائيل عبر بعض المفاوضات الإنسانية أو الترتيبات في غزة. وبذلك فإنّ استهداف قطر هو تهديد للنفوذ الأمريكي، لكن دون استهداف مباشر للولايات المتحدة؛ علاوة على إشعار دول الخليج أن إيران "تستطيع الوصول إليهم".
أمّا ضرب إيران لأربيل وإقليم كوردستان فلم يحصل رغم تهديده المباشر، وما يُقال عن وجود الموساد أو نشاط إسرائيلي في أربيل، فإن إيران تتعامل بحذر بالغ مع كوردستان العراق. ومن هنا، يطفو على السطح جملة من الأسباب، ولعلّ أبرزها:
- العلاقات المعقدة بين طهران وأربيل
إيران لديها نفوذ كبير في العراق، وتحتفظ بعلاقات أمنية واقتصادية مع حكومة إقليم كوردستان، لذا فهي تفضل الضغط الدبلوماسي والتهديد بدلًا من الهجوم المباشر. - التكلفة السياسية العالية للهجوم على أربيل، فأي هجوم على أربيل قد يُفسر كعدوان على إقليم كوردستان – وهو كيان شبه مستقل وله شرعية دولية نسبية – ما قد يؤدي إلى رد فعل أمريكي أو دولي حاد.
- التوازن الإيراني في كوردستان
إيران تستخدم بعض الميليشيات في العراق للضغط على أربيل، لكن دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تستفز واشنطن أو أربيل إلى تحرك عسكري مضاد. - أربيل لا تشكل تهديدًا مباشرًا لإيران
رغم وجود قنصليات أجنبية وقواعد استخباراتية محتملة، إلا أن أربيل لم تشارك في أعمال عسكرية عدائية ضد إيران، مما يجعل ضربها غير مبرر دوليًا.
5- الحساسية الداخلية الكوردية الإيرانية:
- أي تصعيد في إقليم كوردستان العراق قد يشعل اضطرابات في كوردستان إيران.
- طهران تخشى الربط بين القومية الكوردية في الداخل والخارج.
6- التوازن مع حكومة بغداد:
- حكومة إيران تعتمد على علاقاتها مع بغداد و"الحشد الشعبي"، واستهداف أربيل مباشرة قد يُحرج بغداد أو يشق الصف الشيعي الكوردي.
7- التأثير الأمريكي:
- توجد قنصلية أمريكية ضخمة قيد الإنشاء في أربيل، وضرب الإقليم قد يُعتبر ضربًا لمصالح أمريكية، ما قد يؤدي إلى رد قوي.
- إيران تعلم أن أي صاروخ يسقط على موقع فيه أمريكيون = خطر حرب.
ومهما يكن من أمر، فقد توجد بين الفين وأخرى أنّ الرسائل الإيرانية تُرسل بطرق أخرى، فمثلاً إيران تضرب أحيانًا في أطراف أربيل أو في مناطق حدودية بحجة استهداف "جماعات كردية معارضة" (مثل كومله أو الديمقراطي الكوردستاني الإيراني)، كما وتستخدم الصواريخ والطائرات المسيّرة في مناطق نائية، مثل سوران، جومان، حاج عمران؛ لكنها لا تضرب داخل أربيل نفسها (المدينة)، حيث توجد قنصليات أمريكية وأوروبية ومؤسسات دولية. و هذا هو الفارق: إيران ترسل رسائل لأربيل عبر الضربات المحيطة، لا المركزية.
ويقال أنّ إيران زعمت أكثر من مرة: "أن أربيل أصبحت مقراً للموساد الإسرائيلي". فإنّ هذا الادعاء له أبعاد، فقد يكون مبالغًا فيه سياسياً لتبرير الضغط على الإقليم. حتى وإن صحّ، فإن ضرب الموساد داخل أربيل يعني المخاطرة بمقتل مدنيين أجانب، والتصعيد مع الولايات المتحدة وإثارة رأي عام عالمي ضد إيران. كما وأنّ إيران تعرف أنها إذا استهدفت مقرًا مفترضًا للموساد في أربيل بصاروخ كبير، فهي تخاطر بردّ عسكري أمريكي أو حتى غربي جماعي.
وبقي أن نقول:
ففي الأخير، إن إيران ضربت قطر ولم تضرب أربيل، ذلك إن رئاسة الأقليم بتبنّيها سياسة الحياد البنّاء، والتركيز على حماية أمنها الداخلي، وتجنّب الانزلاق في الصراع، متمثلا ذلك - حسبما يقوله المراقبون- في اللغة الهادئة للاتصال الهاتفي بين رئيس إقليم كوردستان مع وزير خارجية إيران قبيل قصف طهران كان سدّا منيعاً إلى جانب الأسباب التي ذكرت؛ لكي تسطّر أربيل لوحة سياسيّة عنوانها: إنّ إيران لا تضرب أربيل كقطر؛ بل ستبقى هادئة ولا تستضيف الضيافات الصاروخية التي استقبلتها شقيقتها قطر.