استقرار العراق مرهون باستقرار كوردستان
أ.م.د. سيروان أنور مجيد
إن عامل الاستقرار هو الركيزة الأساسية لضمان نجاح الدولة، فهو الأساس الذي تُبنى عليه جميع مقومات التنمية والتقدم. فالدولة المستقرة قادرة على النهوض، بينما تغرق الدولة غير المستقرة في الأزمات والتخلف.
ومن هنا، نجد أن علاقة العراق بالاستقرار لم تكن يومًا علاقة وطيدة منذ نشأة الدولة العراقية؛ إذ إن العراق في بدايات تأسيسه كان دولة حديثة على الورق، لكنها مضطربة على أرض الواقع، نتيجة الرفض الشعبي للانتداب، والتنوع السكاني الذي لم يُدار بعدالة، وضعف مؤسسات الدولة، فضلًا عن التدخلات الأجنبية. وقد تحقق الاستقرار في بعض الفترات لاحقًا، لكنه ظل هشًّا ومتقطعًا حتى اليوم.
فولاية الموصل الآن تتمثُل أغلبية أراضيها في كوردستان، والمتمثّلة إمّا في إقليم كوردستان أو المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم، ففي بادرتها كانت منطقة نزاع حاد بين تركيا وبريطانيا، ولولا تدخل عصبة الأمم وضغوط بريطانيا آنذاك، لكانت خريطة العراق اليوم مختلفة تمامًا. وعلى الرغم من حسم القضية قانونيًا في عام 1926، ظلت هذه الولاية واحدة من أكثر المناطق حساسية في تاريخ العراق السياسي والوطني، وما زال بقاؤها ضمن العراق مرهونًا بحفظ حقوق أهلها والتوازنات القائمة فيها.
وعليه، فإن استقرار كوردستان يعني تقوية البنية الفيدرالية للعراق، ما يساهم في تعزيز التماسك الوطني ويمنع الانقسامات أو النزاعات الطائفية والقومية. فوجود إقليم مستقر وفاعل ضمن الدولة العراقية يمنح مثالاً على نجاح التعددية والتعايش بين المكونات.
فعلى الصعيد الأمني ومكافحة الإرهاب، فإنّ إقليم كوردستان يشكّل حاجزاً أمنياً أساسياً في الشمال، وقد لعب دوراً كبيراً في محاربة داعش، وأي اضطراب في كوردستان يعني خلق فراغ أمني يمكن أن تستغله الجماعات الإرهابية أو التدخلات الخارجية.
ومن حيث الاستقرار الاقتصادي والتنموي، فإن كوردستان تُعد العراق الآخر في عراق ما بعد 2004 من حيث الاستقرار، وهي اليوم يُشار إليها بالبنان في التنمية لولا الأزمة الآنية التي تعاني منها جراء اقتطاع ميزانيتها في العراق، ورغم ذلك فإن كوردستان لو أُحسن استثمارها، فهي تمتلك موارد طبيعية مهمة، خاصة النفط والغاز، وتُعد منطقة جذب بارزة للاستثمارات الأجنبية.كما وأن استقرار الإقليم يُسهّل حركة التجارة بين تركيا والعراق، ويمنح العراق منفذاً مهماً نحو الأسواق الدولية؛ علاوة على أن الأمن والاستقرار في الإقليم ينعكسان إيجاباً على حياة المواطنين وفرص العمل والنمو.
ومن ناحية التوازن الإقليمي والردع الاستراتيجي، تُسهم كوردستان، بموقعها الجغرافي وتكوينها الديموغرافي، في حفظ التوازن الإقليمي أمام الضغوط الخارجية (إيران، تركيا، سوريا) وأي فوضى في الإقليم يمكن أن تُستغل لزعزعة استقرار العراق ككل.
ومن ناحية البعد الإنساني والاجتماعي، فالإقليم يُعتبر ملاذاً آمناً لمئات الآلاف من النازحين من مختلف مناطق العراق، إلى جانب كوردستان سوريا (روجآفا) والعرب السوريّين؛ فضلا عن الأجانب بتلوّن الجنسيّات. وإن استقراره يعني استمرار دوره الإنساني في دعم الفئات المتضررة من الحروب والكوارث.
ويضاف إلى ما سبق، فإن التعايش والتعددية أصبحتا جزءًا من هوية كوردستان، فهي تُعرف بهما في منطقة تتلاطم بموجات الحروب الباردة الطائفية والمذهبية والقومية. فكوردستان اليوم تُمثل للعالم نموذجًا للتعدد القومي والديني في العراق، حيث تحتضن الكورد والعرب والكلدان والآشوريين والإيزيديين والمسلمين والمسيحيين وغيرهم، وإن استقرارها يعزز ثقافة الحوار والتسامح، بدلًا من النزاعات والتمييز.
وعليه، فإن استقرار كوردستان ليس مصلحة كوردية فقط، بل مصلحة عراقية وإقليمية ودولية. فهو عامل مهم في تحقيق عراق آمن، موحد، مزدهر، وقادر على الصمود في وجه التحديات الداخلية والخارجية.
وبقي أن نقول: إن استقرار كوردستان يعني استقرار العراق، ومن الضروري أن تتبنى الدولة العراقية استراتيجية حقيقية لدعم الإقليم، وخلق لغة تفاهم مشترك واستراتيجي، ولا سيما في ما يتعلق بالمواد الدستورية الضامنة لوحدة العراق في كوردستان؛ إذ إن الاستقرار مسؤولية مشتركة بين بغداد وأربيل. وعلى من يتولون قيادة بغداد في المرحلة القادمة أن يدركوا أن لشعب إقليم كوردستان وقيادته دورًا محوريًا واستراتيجيًا في استقرار العراق، دورًا يتجاوز حدود الإقليم ليشمل قضايا وطنية وإقليمية؛ ليرسما كوردستان والعراق معاً لوحة مشتركة عنوانها استقرار كوردستان هو استقرار العراق.