إدريس البارزاني: النسب، السيرة، المسيرة، والدور التاريخي في حركة التحرر الكردية الحديثة.

خاص لموقعhiwar/ بقلم:المورخ البحاثة السيد احمد عبد الكريم عبد الجبار النعيمي الرفاعي إدريس البارزاني ليس مجرد اسم في تاريخ كردستان، بل هو شخصية محورية لعبت دورًا بارزًا في تشكيل ملامح حركة التحرر الكردية الحديثة. ورث عن والده، الملا مصطفى البارزاني، روح النضال، لكنه صاغ نهجه الخاص، الذي جمع بين الواقعية السياسية والنضال القومي. كان من بين الشخصيات القليلة التي استطاعت بناء استراتيجية كردية وسط العواصف الإقليمية، فحمل راية القضية الكردية في أحلك فتراتها وأعاد تنظيم الصفوف بعد انتكاسات كادت أن تُنهي الحلم الكردي في العراق.

سبتمبر 2, 2025 - 17:46
إدريس البارزاني: النسب، السيرة، المسيرة، والدور التاريخي في حركة التحرر الكردية الحديثة.

ينتمي إدريس البارزاني إلى العائلة البارزانية، إحدى أكثر العائلات تأثيرًا في تاريخ الأكراد السياسي والاجتماعي. يعود نسب العائلة إلى بارزان، وهي منطقة في شمال العراق كانت مركزًا للفكر القومي الكردي منذ القرن التاسع عشر. هذه العائلة لم تكن مجرد زعامة عشائرية، بل قادت حركات سياسية وفكرية كانت تهدف إلى تحقيق الاستقلال للأكراد.

ولد إدريس البارزاني عام 1944، في فترة كان فيها والده الملا مصطفى البارزاني يخوض معارك سياسية وعسكرية لتحقيق الحكم الذاتي لكردستان. نشأ في بيئة ثورية، حيث كانت السياسة والنضال جزءًا من حياته اليومية، مما أكسبه خبرة مبكرة في فهم التوازنات الداخلية والإقليمية.

بدأ إدريس البارزاني مسيرته في وقت شهدت فيه الحركة الكردية تحولات جوهرية. في الستينيات، كان والده الملا مصطفى البارزاني يقود ثورة أيلول (1961-1975) ضد الحكومة العراقية. في هذه المرحلة، كان إدريس شابًا لكنه سرعان ما أصبح جزءًا من الدائرة المقربة لقيادة الثورة، حيث عمل على تنسيق الجهود السياسية والعسكرية مع القوى الفاعلة.

كان إدريس يدرك أن النضال المسلح وحده لن يكفي، ولذلك سعى إلى تعزيز البعد السياسي والدبلوماسي للقضية الكردية. عمل مع القيادات الكردية على بناء تحالفات إقليمية ودولية، كما بدأ في صياغة رؤية جديدة تعتمد على الواقعية السياسية، بدلاً من المواقف الثورية الجامدة.

كانت نكسة 1975 واحدة من أصعب المحطات في تاريخ الأكراد. بعد توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران، تخلت إيران عن دعم الثورة الكردية، مما أدى إلى انهيارها في غضون أيام. هذه الانتكاسة شكلت نقطة تحول في مسيرة إدريس البارزاني، حيث لم يستسلم بل بدأ في إعادة بناء الحركة الكردية من جديد.

سافر إلى إيران وسوريا وعدة دول أوروبية بحثًا عن دعم جديد للقضية الكردية.

أدار المفاوضات مع الدول الإقليمية لإيجاد مساحة سياسية تمكن الأكراد من استعادة قوتهم.

أعاد تنظيم الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد الانهيار، مؤكدًا على ضرورة الجمع بين المقاومة المسلحة والعمل السياسي والدبلوماسي.

مع صعود صدام حسين إلى السلطة في العراق، أصبحت المواجهة بين الأكراد والنظام العراقي أكثر عنفًا. أدرك إدريس البارزاني أن صدام لن يتردد في استخدام القوة المفرطة ضد الأكراد، لذلك حاول بناء استراتيجية تستند إلى إقامة تحالفات جديدة مع قوى إقليمية ودولية.

في الثمانينيات، أصبح إدريس البارزاني أحد أبرز القادة الذين تصدوا لسياسات التعريب والقمع التي انتهجها النظام العراقي ضد الأكراد.

قام بإدارة عمليات عسكرية ضد القوات العراقية، بالتعاون مع المقاتلين البيشمركة، مما جعل صدام حسين ينظر إليه كخطر استراتيجي.

حاول النظام العراقي اغتياله عدة مرات، إحداها كانت محاولة عبر عملاء في إيران، لكن إدريس نجا منها.

في 31 كانون الثاني (يناير) 1987، توفي إدريس البارزاني بشكل مفاجئ، وهو في قمة عطائه السياسي والعسكري. رحيله كان صدمة للحركة الكردية، حيث فقد الأكراد واحدًا من أكثر القادة قدرة على بناء التوازنات وإدارة العلاقات المعقدة مع القوى الإقليمية.

تميز فكر إدريس البارزاني بعدة محاور رئيسية:

1. الواقعية السياسية: لم يكن متعصبًا لأي رؤية جامدة، بل كان قادرًا على تعديل استراتيجيته وفقاً للواقع السياسي، مما جعله أحد أكثر القادة الأكراد قدرة على التكيف مع المتغيرات.

2. الجمع بين النضال السياسي والعسكري: لم يؤمن بالعمل العسكري وحده، بل رأى أن الحل الكردي يجب أن يكون مزيجًا من الضغط العسكري والدبلوماسية.

3. إقامة تحالفات دولية وإقليمية: أدرك أن القضية الكردية لا يمكن أن تحقق تقدمًا دون دعم دولي، ولهذا سعى إلى تعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة، وإيران، وسوريا، وحتى بعض الدول الأوروبية.

4. تعزيز الوحدة الكردية الداخلية: حاول باستمرار التقريب بين الفصائل الكردية المختلفة، وخاصة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، لتجنب الانقسامات التي كانت تضعف الموقف الكردي.

بعد رحيله، تحول إدريس البارزاني إلى رمز في تاريخ الأكراد. ينظر إليه الكثيرون على أنه رجل التوازنات الصعبة، القائد الذي استطاع في أصعب الفترات أن يعيد بناء الحركة الكردية. كما أن دوره في إعادة تنظيم البيشمركة وتعزيز الدبلوماسية الكردية جعله شخصية مؤثرة في التاريخ الحديث لكردستان.

اليوم، لا يزال إدريس البارزاني يُذكر بإجلال في كردستان. يُنظر إليه على أنه رجل دولة، وليس مجرد قائد عسكري أو سياسي. في إقليم كردستان، يُنظر إليه كأحد العقول التي مهدت الطريق لما أصبح اليوم كيانًا كرديًا شبه مستقل في العراق.

يُذكره الجيل القديم كرجل تحدى أصعب الظروف وأعاد إحياء الحركة الكردية بعد نكسة 1975، فيما ينظر إليه الجيل الجديد كمؤسس للاستراتيجية السياسية التي تبناها نيجيرفان البارزاني وساعدت في بناء كردستان الحديثة.

إدريس البارزاني لم يكن قائدًا عاديًا، بل كان رجل الاستراتيجيات الصعبة والمرحلة الانتقالية في تاريخ الأكراد. بفضل براغماتيته السياسية، ورؤيته بعيدة المدى، استطاع أن يبقي القضية الكردية حية رغم الضربات المتتالية. واليوم، لا يزال إرثه السياسي والفكري حاضرًا، ليس فقط في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولكن في مجمل الفكر السياسي الكردي الحديث.