كيف حلل نيجيرفان بارزاني تاريخية ثورة أيلول 1961م؟

بقلم: قاسم شفيق الخزعلي طالب كاظم سعداوي :::: :::: "ثورة أيلول التي كانت ثورة كل شعب كوردستان بجميع مكوناته، أصبحت مرتكز الفكر والهوية القومية والوطنية والكرامة لكل الكوردستانيين ولإرادة شعب كوردستان الفولاذية من اجل التصدي للظلم والاحتلال. كانت هذه الثورة الصوت الجهور الصادح للأحرار وقضية عادلة لشعب ووطن قدم كل التضحيات في سبيل الحرية. وغدت قاعدة لأول اعتراف رسمي بحقوق شعب كوردستان، والأساس لكل المكاسب التالية." نيجيرفان بارزاني في ذكرى ثورة ايلول الثالثة والستين2024م :::: :::: نيجيرفان بارزاني قارئ تاريخ محترف لذلك يرى نيجيرفان أن الثورة اي ثورة ايلول1961م بقيادة جده مصطفى البارزاني، ليست مجرد حدث عسكري أو سياسي محدود، بل هي لحظة محورية في تاريخ كردستان، تعكس إرادة شعب كامل على صعيد الهوية والكرامة والحقوق الوطنية. في فلسفته، ثورة أيلول ليست مجرد مواجهة مع الدولة العراقية، بل هي تجربة عميقة في ممارسة الإرادة الجماعية، وفهم كيفية تحويل الضغوط التاريخية إلى مشروع سياسي واستراتيجي قادر على التأثير على المستقبل. عنده، الثورة تمثل استمرارًا لتاريخ طويل من الصراعات، لكنها أيضًا نقطة فاصلة تحدد مسار الوعي السياسي والاجتماعي للكرد في العقود اللاحقة.

سبتمبر 11, 2025 - 14:54
كيف حلل نيجيرفان بارزاني تاريخية ثورة أيلول 1961م؟

نيجيرفان يرى أن الثورة جاءت كرد فعل طبيعي لتراكمات من الظلم والإقصاء الذي عاشه الشعب الكردي منذ عقود. لكنه يؤكد أن هذا التراكم لم يكن كافيًا لإشعال الثورة؛ ما جعلها تاريخية كان تصميم القيادة السياسية والعسكرية، وفي مقدمتها مصطفى البارزاني، على تحويل الغضب الشعبي إلى مشروع استراتيجي متكامل. مصطفى البارزاني، وفق تحليل نيجيرفان، لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا للقيادة الفلسفية العملية، التي تمزج بين صرامة التوجيه العسكري وحكمة القرار السياسي، وتفهم في الوقت نفسه بعد التاريخ ودور الحدث في صياغة مستقبل الشعب الكردي.

فلسفة نيجيرفان للثورة تبدأ من البعد الشمولي للحدث. يصفها بأنها “ثورة كل شعب كوردستان بجميع مكوناته”، وهو ما يشير إلى أنها لم تكن مقتصرة على مجموعة محددة أو قبيلة واحدة، بل جسدت وحدة الشعب الكردي في مواجهة التحديات. هذا التوصيف يبرز أن الثورة، في نظره، مشروع اجتماعي وسياسي، لا يمكن فصله عن سياق الهوية الوطنية، وهو ما يعطي الحدث صفة فلسفية تاريخية، حيث تصبح كل خطوة من خطوات الثورة جزءًا من تجربة مستمرة لتأكيد الوجود والسيادة الذاتية للشعب.

في تحليله، يركز نيجيرفان على التوازن بين الجانب العسكري والسياسي للثورة. يرى أن نجاح الثورة لم يكن ممكنًا دون قيادة استراتيجية موحدة، قادرة على توجيه البيشمركة والمجتمع في آن واحد. وفق فلسفته، القوات المسلحة للثورة لم تكن مجرد أداة قتال، بل كانت تجسيدًا لإرادة الشعب، وقدرة على تطبيق مبادئ الحرية والعدالة على أرض الواقع. المرونة التكتيكية للبيشمركة، استخدامهم للتضاريس الجبلية، وتحركاتهم السريعة كانت كلها جزءًا من فلسفة القيادة، التي تراعي الحد الأقصى للأثر مع الحد الأدنى من الخسائر، وتحافظ على استمرار النضال حتى في أصعب الظروف.

نيجيرفان يولي اهتمامًا خاصًا بالبعد الرمزي للثورة. يرى أن الثورة أعادت تعريف مفهوم الكرامة الوطنية والحقوق المشروعة، وأنها أعطت للشعب الكردي شعورًا بالسيادة على مصيره. كل قرار عسكري أو سياسي، وفق رؤيته، كان يحمل دلالة فلسفية، حيث أصبح الصراع وسيلة لتأكيد الحق والوجود، وليس مجرد صراع على الأرض أو موارد مادية. الثورة بهذا المعنى تتحول إلى مشروع معرفي، يربط بين الإرادة الشعبية، القيادة الحكيمة، والمستقبل السياسي للكردستان.

الجانب الاجتماعي للثورة يشكل محورًا آخر في فلسفة نيجيرفان. يرى أن الثورة ساعدت على توحيد المجتمع الكردي، وتعزيز التعاون بين مختلف المكونات القبلية والإقليمية. هذا التلاحم لم يكن مجرد اتفاق سياسي، بل كان اختبارًا لقدرة الشعب على التنظيم الذاتي، والتمسك بالقيم المشتركة، والحفاظ على الهوية القومية وسط التحديات الداخلية والخارجية. فلسفيًا، هذا يعني أن الثورة كانت ممارسة عملية لفكرة الوحدة الوطنية، وأنها جسدت قدرة الشعب على تحويل النضال الفردي إلى مشروع جماعي مستدام.

نيجيرفان يعيد التركيز على دور القيادة في تحويل الثورة إلى تجربة تاريخية ذات أبعاد فلسفية. يرى أن مصطفى البارزاني وضع رؤية استراتيجية تجمع بين الصمود العسكري والمرونة السياسية، بين الحفاظ على المبادئ الوطنية والتكيف مع الواقع المتغير. هذه القيادة، بحسب فلسفته، هي ما جعل الثورة أكثر من مجرد صراع مسلح، بل تجربة تعليمية لكل الأجيال القادمة، حيث تعلم الشباب كيفية تنظيم الصفوف، الحفاظ على المبادئ، وتوجيه الطاقات الجماعية نحو هدف واضح ومستدام.

في فلسفة نيجيرفان، الثورة ليست مجرد حدث عابر، بل جزء من سلسلة مستمرة من التجارب التاريخية. هو يرى أن الثورة أسست قاعدة للمكاسب المستقبلية، وأظهرت أن النضال التاريخي للشعب الكردي يمكن أن يكون مشروعًا واعيًا ومخططًا له، وليس مجرد مقاومة عشوائية. هذا يبرز فلسفة نيجيرفان في التاريخ: أن الأحداث تصبح تاريخية حين ترتبط بإرادة الشعب وقدرته على التعلم من التجربة، وتحويل الصعوبات إلى أدوات لبناء المستقبل.

الجانب الأخلاقي والإنساني للثورة يحظى بمكانة مهمة في فلسفة نيجيرفان. الحفاظ على المدنيين، احترام الحياة، وعدم السماح للمعارك بالانحراف عن هدفها الوطني والسياسي كان جزءًا من استراتيجية القيادة. هذه المبادئ تجعل الثورة نموذجًا للفكر السياسي الأخلاقي، حيث يجتمع الصراع المسلح مع الالتزام بالقيم الإنسانية، ويصبح التاريخ تجربة تعليمية مستمرة حول كيفية الحفاظ على المبادئ في ظروف الحرب والنزاع.

نيجيرفان يضع أهمية خاصة لفلسفة الاستمرارية في الثورة. يرى أن ثورة أيلول لم تنته بانتهاء المعارك، بل استمرت عبر التضحيات اليومية والوعي السياسي المتزايد للشعب. هو يؤكد أن الثورة قدمت درسًا للأجيال الجديدة حول طبيعة النضال، وأهمية التنظيم، والصمود، والحفاظ على الهوية. فلسفته تؤكد أن التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو عملية مستمرة لفهم كيفية ممارسة الإرادة الجماعية وتحويلها إلى مشروع سياسي واجتماعي مستدام.

تحليل نيجيرفان يشمل أيضًا البعد الدولي والإقليمي للثورة. يرى أن مصطفى البارزاني كان واعيًا لتأثير القوى الإقليمية والدولية على مسار النضال، وأن الثورة كانت محاولات لإيجاد موضع قوة متوازن، يتيح التفاوض مع بغداد ومع الأطراف الخارجية دون التفريط بالحقوق الأساسية. هذا التفكير الاستراتيجي يعكس فهمًا فلسفيًا عميقًا للطبيعة التاريخية للصراع، حيث يصبح الحدث الوطني جزءًا من منظومة أوسع للتأثير السياسي والدبلوماسي.

نيجيرفان يربط الثورة بالهوية الكردية والفكر القومي، ويعتبرها حجر الأساس في صيرورة بناء الدولة الوطنية المستقبلية. في فلسفته، كل مرحلة من مراحل الثورة تحمل دروسًا حول كيفية الحفاظ على المبادئ، توجيه الإرادة الجماعية، وموازنة القوة العسكرية مع الذكاء السياسي. الثورة، بهذا المعنى، ليست مجرد سلسلة معارك، بل مشروع متكامل للفكر الوطني، يمكن أن يكون نموذجًا لكل تجربة نضالية لاحقة.

ومن ثم في تحليل نيجيرفان الفلسفي لتاريخية الثورة، يوضح فلسفة الثورة كعملية مستمرة: الثورة ليست حدثًا محددًا بالزمان والمكان، بل تجربة تاريخية وفلسفية تظهر كيف يمكن للشعب أن يصنع إرادته ويؤكد حقه في السيادة والكرامة. كل تحرك، كل قرار، وكل تضحية كانت جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى بناء مجتمع قادر على حماية هويته وتطويرها. الثورة بهذا الشكل تصبح أكثر من مجرد ذكرى تاريخية، بل تجربة فلسفية عملية، درسًا في القيادة، الوحدة، والوعي الوطني، وتجسيدًا لصيرورة شعب قادر على تحويل التحديات إلى فرص لتأكيد وجوده وتحقيق حقوقه على مر الزمن.

وذلك هو نيجيرفان بارزاني قارئ  تاريخ ومفكر فلسفة التاريخ.

::::

::::