جاذبية الظلام: لماذا ننجذب إلى الثيمات المظلمة في الفن؟

خاص لموقعhiwar/بقلم احمد العتبي:لطالما سحَرَ الفنّ البشريةَ بكل أشكاله، لكن ثمة أنواع محددة تحمل طابعاً غامضاً ومظلماً، تثير فينا فضولاً خاصاً وجاذبيةً لا تقاوم. من أفلام الرعب المثيرة، إلى إيقاعات موسيقى الهيفي ميتال الصارخة، مروراً بـالمسلسلات ذات الحبكات المعقدة والقصص والروايات المليئة بالتشويق، وحتى الحكايات الشعبية والأساطير القديمة التي تُلقي بظلالها على العقل البشري؛ كل هذه الأشكال الفنية تدور في فلك الثيمات المظلمة، وتُشكل بؤرة اهتمام شريحة واسعة من الجمهور. لكن ما التفسير النفسي والاجتماعي الكامن وراء هذا الانجذاب العميق؟

يوليو 31, 2025 - 16:11
جاذبية الظلام: لماذا ننجذب إلى الثيمات المظلمة في الفن؟

التفسيرات النفسية: ملاذٌ آمنٌ للمشاعر المكبوتة

على الصعيد النفسي، يقدم الانغماس في عوالم الظلام الفنية فوائد عدة لا يدركهاالكثيرون:

  1. تفريغ الطاقة والتنفيس الآمن (Catharsis):                 إن مشاهدة فيلم رعب أو الاستماع إلى مقطوعة موسيقية عنيفة كالميتال، يُحفزالجسم على إفراز هرمون الأدرينالين. هذه التجربة تمنحنا "رعباً آمناً"؛ فنحن نختبرمشاعر الخوف والقلق الشديدة ضمن بيئة خاضعةٍ للتحكم، بعيداً عن أي خطر حقيقي. هذا يساعد بشكل كبير على تنفيس المشاعر السلبية المكبوتة مثل الغضب والتوتر،وبذلك فهو يوفر إحساساً بالراحة النفسية.

في السطور التالية التي تتحدث عن "طبول الساحرة"، يستحضر المؤلف، أو العازفونهذا الشعور بالتوتر والخوف البدائي:

   "Pound me the witch drums

   The witch drums

   Better pray for the hell, not hallelujah"

هذه الكلمات هي مطلع تتر البداية "The Opening Song" لمسلسل "سالم/Salem"المعروض خلال السنوات (2014-2016) كتبها المؤلف الموسيقي الامريكي "Tyler Bates وهي تحمل اسم "Cupid Carries A Gun" نالت شهرة كبيرة جداً..

هذه الكلمات تضعنا مباشرة في قلب تجربة تتجاوز المألوف، وتختبر حدودنا العاطفيةفي بيئة خيالية.

2. استكشاف الجانب المظلم من الذات (Shadow Work):

وفقاً لمفاهيم "كارل يونغ" في علم النفس، يمتلك كل إنسان "ظلاً" يمثل الجوانبالمظلمة أو المكبوتة من شخصيته. الفن الذي يعالج هذه الثيمات يتيح لنا فرصةًلاستكشاف هذه الجوانب اللاواعية بطريقة غير مباشرة وآمنة. هو بمثابة مرآةٍ تعكسُصراعاتنا الداخلية ومخاوفنا، مما يُسهم في فهم أعمق للذات دون الاضطرار لمواجهةهذه المشاعر بشكل مباشر في الواقع.

تمثل قصة "بلو بيرد/صاحب اللحية الزرقاء/Bluebeard" الفولكلورية الفرنسيةالشهيرة، التي جمعها "شارل بيرو"، قصة رعب قوطي تُبرز جانباً مظلماً للغاية منطبيعة الرجل إذ تدور القصة حول رجل ثري وغامض، يشتهر بزواجه المتعدد منالنساء اللواتي يختفين في ظروف غامضة. يتزوج فتاة شابة، ويُعطيها مفتاحاً لكل غرفِالقصر، باستثناء غرفة محددة يحذرها من دخولها تحت أي ظرف. الزوجة لا تستطيعمقاومة فضولها وتفتح الغرفة المحرمة، لتكتشف فيها جثث زوجات بلو بيرد السابقاتالمُعلقة. ثم يحاول بلو بيرد قتلها هي الأخرى لخيانتها ثقته.

تتمثل عناصر السوداوية بالقتل المتسلسل، الخداع، والشهوة الدموية، حيث تتجسدالشخصية الشريرة في هيئة رجل ثري وساحر يخفي وحشيةً لا مثيل لها. في القصةتحذير من الأسرار المظلمة والأفراد الذين لا يمكن الوثوق بهم.

ومثل تلك القصةِ، قصةُ "الثعلب الشرير والطائر الأسود/ The Wicked Fox and the Blackbird" وهي قصة من الفولكلور الياباني

"Kitsune-no-Yomeiri/ Kitsune Lore"

الكيتسوني (الثعالب) في الفولكلور الياباني هي كائنات سحرية لها قوى خارقة، غامضة،مخادعة، وأحياناً شريرة أو انتقامية. وتتناول العديد من قصص الكيتسوني الانتقام،الخداع القاتل، والمس الشيطاني.

فمثلاً، قد تظهر ثعالب كيتسوني على هيئة امرأة جميلة لتخدع رجلاً وتتزوجه، ثمتكشف عن طبيعتها لاحقاً وتقتله، بعد أن تستنفذ شهوتها تجاهه. وفي بعض القصص،تقوم الكيتسوني بمس البشر، مما يؤدي إلى جنونهم أو وفاتهم

قصة "الثعلب الشرير والطائر الأسود" قد تكون تجسيداً لجانب معين من هذهالخرافات حيث يظهر الثعلب كشخصية مظلمة تسعى لإيذاء الكائنات الأخرى، والطائرالأسود قد يمثل نذير شؤم أو روحاً حزينة، تتألق بعناصر السوداوية، مثل الخداع،فقدان العقل، الانتقام الساحر، وغياب الخير المطلق، حيث القوى السحرية لا تتبعبالضرورة قواعد الخير والشر البشرية.

هذه القصص، على الرغم من كونها فولكلورية، تقدم نافذة على الجوانب المظلمةللوجود البشري والخوارق، وتستمر في جذب الانتباه والتأثير على الفن الحديث حتىاليوم.

3. الشعور بالسيطرة والتمكين:

في حياتنا اليومية، قد نشعر بالعجز أمام العديد من المخاطر. لكن داخل عالم الفن،نحن نسيطر على التجربة. يمكننا إيقاف الفيلم، إغلاق الكتاب، أو تغيير الموسيقى. هذاالشعور بالسيطرة على الخوف نفسه مريح ومُرضٍ نفسياً كما أن هذه الثيمات قدتعكس رغبة في التمرد على السلطة أو إظهار القوة لمواجهة الصعاب.

في فيلم الرعب والفانتازيا المظلمة "Apostle" المعروض عام (2018 والذي يعودبأحداثه في عام (1905 نجد قصة رجلٍ يسافر إلى جزيرة نائية لإنقاذ أخته التياحتجزتها طائفة دينية غامضة. سرعان ما يكتشف أن هذه الطائفة تمارس شعوذةغريبة، وطقوسياتٍ جنائزية، وتقدم تضحياتٍ بشرية للحفاظ على أرضهم وخصوبتها،وهناك كائن قديمٌ مرتبط بالأرض، تتم عبادته بطرائق جنونية هناك.

كما يعتبر فيلم "The Witch" لعام (2015) واحداً من أبرز الأفلام الحديثة التي تتعمقفي الشعوذة والسحر ببطء وتوتر نفسي. تدور أحداثه في القرن السابع عشر في "نيوإنجلاند"، ويستكشف كيف يمكن للخوف والجهل أن يدفعا عائلة متدينة نحو الهلاكبسبب اعتقادهم بكون ابنتهم ساحرة. الجو العام كئيب ومظلم للغاية، ويعتمد علىالإيحاء والرعب النفسي أكثر من القفزات المفاجئة واعتبره الكثير من النقّاد نقلةً نوعيةًفي أفلام الرعب النفسي الحديثة.

4. تنمية الفضول البشري واستكشاف المجهول:

الإنسان كائن فضولي بطبعه، وهذه الأنواع الفنية غالباً ما تغوصُ في أعماق المجهولوالغامض، بل وحتى المحرمات. هذا يثير فضولنا ويُشبع رغبتنا في فهم ما يتجاوزالتجربة اليومية، سواء كان ذلك الشر المتأصل في البشر، القوى الخارقة، أو الجوانبالمخيفة من الأساطير.

على سبيل المثال، القصة التي نعرفها اليوم عن "ذات الرداء الأحمر" هي نسخةٌ مخففةٌومعدلةٌ من حكاياتٍ أقدم وأكثر قسوة. في العديد من النسخ الأوروبية الأصلية، مثلتلك التي جمعها "الأخوين غريم"، وحتى النسخ الشفهية الأقدم، في الجانب المظلم لهالا ينتهي الأمر بالصياد الذي ينقذ ذات الرداء الأحمر وجدّتها من بطن الذئب. بل غالباً مايتمّ افتراس الفتاة والجدة من قبل الذئب، ويكون الموت نهاية القصة. في بعض النسخالأكثر رعباً، يخدع الذئب ذات الرداء الأحمر لتأكل لحم جدتها وتشرب دمها (دون أنتعلم) قبل أن يلتهمها هو الآخر. هذه النسخ تعكس تحذيراًصارماً من الأخطار المحدقةفي الغابات ومن الغرباء، وتُظهر وحشية العالم الطبيعي وقسوة القدر.

التفسيرات الاجتماعية: تعليقات على الواقع وبناء للهوية

لا يقتصر تأثير جاذبية الثيمات المظلمة على الجانب النفسي الفردي فحسب، بل يمتدليشمل الديناميكيات الاجتماعية وفق الطرق التالية:

1. التعبير عن التمرد والرفض الاجتماعي:

غالبًا ما تتناول هذه الثيمات قضايا الظلم والفساد. موسيقى الهيفي ميتال، على سبيلالمثال، ارتبطت تاريخياً بالتمرد على الأعراف الاجتماعية ورفض السلطة. الانجذاب لهذاالنوع من الفنون قد يكون وسيلة للتعبير عن مشاعر الإحباط أو الرفض المشتركة تجاهالواقع.

في قصة "مدينة النحاس" إحدى قصص "ألف ليلة وليلة"، التي تُصوّر مدينةً زال أهلهابسبب كفرهم وشرورهم، فتحولت إلى أطلال مليئة بالجثث المتحجرة والكنوزالمدفونة التي تحرسها الجن. القصة تمجد قوة العقاب الإلهي والدمار الذي يلحقبالظالمين، وتُظهر فناء المدن والحضارات كعاقبة حتميةٍ للشر.

تم تقديم القصة في مسلسل فوازير الف ليلة وليلة للنجم المصري "ياسر جلال"وقامت الفنانة اللبنانية "نور" بدور الساحرة "شواهي" التي تحوّل ملك مدينة النحاسوكلّ شعبه إلى تماثيلٍ من الحجارة، ليسهل لها السيطرة عليهم، ويظهر في المسلسل،أن مؤلف القصة قدمها لنا في جنوب العراق، إذ يظهر أهى مدينة النحاس، بملابسٍوهيئاتٍ هي أقرب مايمكن للسومريين، في حكاية ميتاقصيّة جديدة، تم تقديمها ضمنالإطار لعام للنص الأصلي للقصة. تظهر الساحرة بكامل أناقتها الآسرة وجمالها المغريوهي تجلس، في عدة مشاهد، مع حبيبها من الجان، وهي تمارس بذلك فعل الخيانةلملك مدينة النحاس.

ويمكننا ملاحظة تمجيد الشرّ، والانتقاص والاستهانة بالخير، إلى حدٍ ما، في الكثير منجوانب القصة، التي تنتهي في النهاية بشكلٍ ميلودرامي بالانتصار للخير، الذي نحبّهأيضاً ونفرح له، في  تناقضاتٍ لا شعورية تحصل لنا خلال المشاهدة. إذ تتجلّى فيحصولنا على الإمتاع لمشاهدة قصة الساحرة التي تنكّل بأهل المملكة وبملكهم، رغباتُنابالتمرّد على الأعراف الاجتماعية ورفض السلطات، ونشعر بالمقابل بالفرحة لانتصارجانب الخير، فيما بعد، لتفوّق العدالة والقانون على الظلم والفساد والقهر

2 بناء الهوية الجماعية:

الانجذاب المشترك لهذه الأنواع الفنية يمكن أن يُسهم في بناء هوية مشتركة بينالأفراد. التجمعات لحضور حفلات موسيقية أو النقاشات حول أفلام ومسلسلاتومعارض فنية معينة، تخلق شعوراً بالانتماء لمجموعة تشاطر قيماً أو تجارب، حتى لوكانت هذه التجارب افتراضية.

في لوحة "السبت العظيم للسحرة"

The Great He-Goat or Witches' Sabbath

للفنان فرانسيسكو غويا "Francisco Goya" ضمن سلسلة لوحاته السوداء عام(1823) التي تحتوي على عناصر سوداوية ومظلمة مروّعة رسمها غويا على جدرانمنزله، وهي تعبير عن يأس الفنان وكابوسه الشخصي.

تصور اللوحة تجمعاً للسحرة حول شيطان على هيئة "ماعز ذكر عظيم" (Great He-Goat) يخطب فيهم. الوجوه المشوهة، العيون الفارغة، والأجواء الكابوسية تُجسدالشر، الجنون، الخرافة، والتجمعات السرية المظلمة. تُعبر اللوحة عن احتقار غوياللجهل والتعصب، وتُعظم جانباً مظلماً من الوجود البشري، حيث الخرافة تدفع الناسلارتكاب أفعال شيطانية. وقد ظلّت محطّ أنظار العالم حتى اليوم.

ومن اللوحات العالمية الشهيرة لوحة "الكابوس" للفنان "هنري فوسيلي/Henry Fuseli" التي تعود للعام (1781 لوحة ومانسية وقوطيّة، تُعد أيقونة في فن الرعبوالرومانسية المظلمة. تصور امرأة نائمة مُثقلة بكائن شيطاني جاثم على صدرها يُعرفباسم "الجاثوم" (Incubus بينما يظهر رأس حصان ذو عيون بيضاء مخيفة من وراءالستائر. واللوحة تُجسد الخوف العميق، الرعب الليلي، الكوابيس، واختراق الشر للواقعاليومي. الجو العام للوحة مظلم ويائس، ويعكس جانباً مظلماً من الوعي الباطني.

3. التعليق الاجتماعي ومعالجة المخاوف الجماعية:

الكثير من القصص المظلمة، سواء كانت أفلام رعب أو أساطير، هي في جوهرهاتعليقات اجتماعية عميقة. إنها تعكس مخاوف مجتمع ما في فترة زمنية معينة (مثلالمخاوف من التكنولوجيا، الحكومات، الأوبئة، أو الظلم الاجتماعي). من خلال استهلاكهذه القصص، يتعامل المجتمع بشكل جماعي مع هذه المخاوف ويفكر في طرقمواجهتها

على سبيل المثال، فيلم مثل "Eden" لعام (2024) لمخرجه الأوسكاري "رون هوارد"،يستند إلى قصة حقيقية عن مجموعة من المستوطنين الأوروبيين في جزر غالاباغوس،يُظهر كيف يمكن للطبيعة البشرية أن تتحول إلى صراع على السلطة والنجاة في بيئةمعزولة، مما يعكس مخاوف اجتماعية أوسع حول طبيعة البشر.

4. الحفاظ على التراث الثقافي:

الحكايات الشعبية والأساطير، حتى تلك التي تحمل جوانباً مظلمة، هي جزءٌ لا يتجزأ منالتراث الثقافي البشري. إنها تحمل دروساً أخلاقية، وتفسيرات بدائية للكون، أوتحذيرات من مخاطر معينة. الانجذاب إليها يُسهم في الحفاظ على هذا التراث ونقلهعبر الأجيال، مما يعمق فهمنا لتاريخ البشرية وتطور فكرها.

في قصة "هانسل وغريتل/Hansel and Gretel" الألمانية، ضمن مجموعة القصصالشعبية الأوربية التي جمعها "الأخوان غريم"، يمكننا استكشاف جوانبٍ شديدةالظلامية عن البقاء على قيد الحياة والوحشية البشرية، لطفلين صغيرين بمقابلساحرة شريرة تطهو الأطفال وهم أحياء في فرنٍ كبير، ثم تتناولهم كوجباتٍ غذائيةشهية. وبذلك تسلط القصة الضوء على هشاشة الحياة وبقاء الأطفال في عالم قاسٍ.

وفي قصة "طفل روزماري/Rosemary's Baby" المنشورة عام (1967) لآيرا ليفين،تتحول الأسطورة المتخيّلة في تلك الرواية الايقونية الخالدة، عبر سنواتٍ من اطلاعالناس عليها، إلى حكاياتٍ شعبية شفاهية، ومادةٍ للكتب، وللسينما، والمسرح،والتلفزيون، من خلال نسج مئات القصص ضمن ثيماتٍ متشابهة، اعتُبرت فيها تلكالقصة كقاعدة استلهامٍ للأفكار، حالها حال "دراكولا/Dracula" لبرام ستوكر وأشباههما.

تتبع قصة طفل روزماري، شخصية روزماري وودهاوس، امرأة شابة تعيش مع زوجهاالذي يسعى للشهرة، ينتقلان إلى شقة جديدة في مبنى ذي تاريخ مظلم. سرعان ماتصبح روزماري حاملًا، لكنها تبدأ في الشك بأن جيرانها المسنين الطيبين ليسوا كمايبدون، وأنهم جزء من طائفة شيطانية تُخطط لولادة طفل الشيطان. الرواية تُبنى علىالتوتر النفسي الشديد والبارانويا

الرواية غنية بالاقتباسات المخيفة، مثل: "في الليل استيقظت روزماري على صوتموسيقى، غريبة، موسيقى بلا لحن، كفرقة من الأطفال تعزف. نهضت من الفراش،ترتعد". ومثل: "لا أعتقد أنه من المفترض أن أقول أي شيء. لا أعتقد أنه من المفترضأن أدعك تعرف". ويمثل الاقتباس الأخير ذروة المواجهة بين البطلة وزوجها الذي باتتتعتقد أنه استسلم للمشعوذين، وباع نفسه للشيطان، وسمح له بأن يلقي بذرته فيرحمها، بمقابل الشهرة والأموال وخلود اسمه بين الناس.

بالحديث عن الاقتباسات يمكننا ذكر الاقتباس التالي:

"في الجحيم اكتشفتُ الحب، الحبُّ لكلّ من يعانون. الشفقةُ والحبّ يابُنيّ هما البلسم،ما اعظم أن يحبّ المرءُ وهو يحترقُ ويُعاني!" وهو على لسان الساحرة "ماري سيبلي"إحدى ساحرات "الإسيكس" ووالدة الشيطان، في مسلسل "Salem" المذكور أعلاه،ويجسد المسلسل صراعات كبرى بين مجتمعات السحرة المختلفة الانساب، التيتسكن وتحكم كلٌّ منها قفيراً معيناً ذا قيمٍ وتاريخٍ واعتقادات مختلفة، وبين المجتمعاتالمحكومة من قبل الكنيسة التي يديرها المستعمرون الجدد القادمون من انكلترا نحوبوسطن وهي اكبر المستعمرات الثلاثة عشر وقتذاك، وما بين مجاميع من الهنود الحمروهم السكان الاصليون الذين يعتنقون الوثنية وتسود فيما بينهم عبادة الاسلافوالديانات الطوطمية. وكل ذلك خلال القرن السابع عشر

ومن امثلة التراث الثقافي البشري لوحة "حديقة المسرات الأرضية/The Garden of Earthly Delights" - الجزء الأيمن منها وبمثل الجحيم. هذه اللوحة رسمها الفنان"هيرونيموس بوش/Hieronymus Bosch" حوالي (1490-1510 لوحة رمزية ذاتعناصر سوداوية مظلمة، وعلى الرغم من أن اللوحة الكاملة ثلاثية الألواح تعرض الجنةوالأرض والجحيم، إلا أن الجزء الأيمن المخصص للجحيم هو مثال صارخ علىالسوداوية واليأس. إذ تصور هذه اللوحة عقاب البشرية بطرق مرعبة وغريبة، حيثتُصبح الآلات الموسيقية أدوات تعذيب، وتُظهر الشياطين بأشكال بشعة تُمارس أفعالاًوحشية. المشاهد مليئة بالجنون، اليأس، والتشويه

تُقدم اللوحة رؤية قاتمة ومروعة للموت وما بعده، وتُعظم الشر في سياق عقابالخطيئة، مما يجعلها تجسيداً للخوف البشري الجماعي من المصير الأسوأ والجانبالمظلم للدين والمعتقد.

وإذما تحدثنا في خضم البحث والتنقيب في التراث الثقافي الانساني، نجد التراثالعربي وقصصه حاضرة بقوة مثل قصص أساطير العفاريت التي تُسبب العواصفالرملية أو تُضلل الناس عن طريق خداعهم برؤى كاذبة للماء أو الملاذ الآمن، مما يؤديإلى موتهم عطشاً أو ضياعاً. هذه القصص تُظهر جانبًا من الشر الكوني الذي لا يمكنقهره، والذي يتجلى في قوة الطبيعة المدمرة.

ومثلها أساطير الغول والسعلاة التي تعدّ تجسيداً للشر والوحشية المطلقة، وهيكائنات مفترسة تتغذى على لحوم البشر، وخصوصاً الأطفال والمسافرين الضالين فيالصحراء، ولنا في قوافل أو مدن الجنّ بالنسبة للأساطير المغربية والجزائرية أمثلةأخرى على ما تقدم أعلاه وهي حاضرة بقوة في التراث الشفاهي والمدوّن أيضاً.

في الختام، إن انجذابنا إلى الثيمات المظلمة في الفن ليس مجرد تفضيل سطحي، بلهو انعكاس لتعقيدات النفس البشرية وحاجتها لاستكشاف الذات والعالم المحيط. إنها طريقة آمنة ومُحفزة للتفكير في الحياة، الموت، الخير، والشر، والقوى التي تتجاوزفهمنا اليومي، وكل ذلك يُضفي شعورًا بالمتعة، التحدي، وأحياناً التنفيس الذي لا غنىعنه.

:::::

:::::

#احمد_العتبي