فلسفة تاريخ أنفلة البارزانيين ضمن الانفال الكردية عند نيجيرفان بارزاني رؤية تاريخية

خاص لمجموعة ادارة الازمة وموقعhiwar:بقلم: طالب كاظم سعداوي قاسم محسن شفيق الخزعلي من مجموعة ادارة الازمة تحرير: اكرم طالب الوشاح حين يتحدث نيجيرفان بارزاني في بيانه اليوم عن الأنفال عموما وانفلة البارزانيين خصوصا لا يتعامل معها كذكرى بروتوكولية. فكل بيان له في هذه المناسبة يكشف عن رؤية متماسكة تشبه قراءة مؤرخ يعيش المأساة من داخلها. فهو يرى الأنفال البارزانية بتغييب الاف البارزانيين من عشرته ليس فقط كعملية قتل جماعي بل كمرحلة مفصلية في تاريخ العلاقة بين الدولة العراقية وشعب كردستان، مرحلة حملت مشروعاً سياسياً لإلغاء وجود قومية بكاملها.

يوليو 31, 2025 - 16:02
فلسفة تاريخ أنفلة البارزانيين ضمن الانفال الكردية عند نيجيرفان بارزاني رؤية تاريخية

في بيانه لهذه السنة وهو بيان حزين يشبه صوت مؤرخ باك قبل ان يكون صوت سياسي حاكٍ، يمكن ملاحظة ثلاث طبقات من التفكير. الأولى هي الذاكرة. فهو يضع الضحايا في قلب خطابٍ إنساني، يذكرهم بأسمائهم وصفاتهم ويعيد إليهم حقهم في أن يكونوا حاضرين بعد أن حاولت الدولة في تلك الحقبة محوهم من الأرض ومن التاريخ. هذا التركيز على التذكر ليس مجرد عاطفة، بل هو فعل مقاومة ضد النسيان وضد أي محاولة لإعادة إنتاج الخطاب الذي يبرر الجرائم.

والطبقة الثانية هي التحليل السياسي. نيجيرفان لا يرى الأنفال كحادثة معزولة، بل يربطها بسلسلة طويلة من السياسات التي استهدفت منذ عقود كسر إرادة الكورد. في خطابه يتضح أن ما جرى مع آلاف البارزانيين كان جزءاً من مشروع منظم، هدفه دفع الكورد إلى الاستسلام والقبول بمركزية سياسية أحادية. لكنه يعتبر أن هذه السياسة فشلت فشلاً تاماً لأن المجتمع الكردي لم ينكسر رغم القتل والتشريد. هذه القراءة تضع الجريمة ضمن سياقها التاريخي الواسع وتمنحها معنى سياسي يتجاوز الصدمة الأخلاقية.

والطبقة الثالثة هي الدعوة للمستقبل. فنيجيرفان ينظر إلى الأنفال كمادة لبناء وعي جديد وليس كمصدر للانتقام. هو يطالب بالعدالة، لكنه لا يقف عند حدود الإدانة المعنوية. يرى أن الدولة العراقية اليوم مطالبة بخطوات عملية، تشمل تعويض الضحايا ، لأن عدم معالجة هذه الجراح سيبقي العلاقة بين بغداد وكردستان معلقة .

وفي الوقت نفسه يؤكد أن الدرس المستخلص من تلك المرحلة هو ضرورة بناء مجتمع يقبل بالتعدد ويضمن الكرامة المتساوية للجميع.

فهو عراق حزين للبارزانيين قبل كونه كرديا حزينا او حتى بارزانيا حزينا لانفلة اهله...

عند تحليل رؤيته التاريخية، نلاحظ أنه يقدم صورة مزدوجة: من جهة هناك إصرار على أن الأنفال وبضمنها انفلة البارزانيين، تمثل جريمة إبادة منظمة استهدفت المجتمع الكردي، ومن جهة أخرى هناك تمسك بقدرة المجتمع نفسه على النجاة وإعادة بناء ذاته. وهو حين يتحدث عن النساء اللواتي فقدن أزواجهن وآبائهن لا يكتفي بوصف معاناتهن، بل يضعهن في موقع الفاعل الذي حافظ على تماسك العائلة والهوية. هذا المنظور يحول الكارثة إلى مصدر من مصادر القوة الأخلاقية والصلابة المجتمعية.

وما يميز خطابه هو أنه يرفض الفصل بين الأخلاق والسياسة. بالنسبة له، العدالة ليست مفهوماً مجرداً بل هي مسؤولية الدولة وواجب المجتمع. لذا يربط دائماً بين استذكار الضحايا وبين ضرورة إصلاح العلاقة بين المكونات العراقية. وفي ذلك تبرز فكرة جوهرية في تفكيره العراقي والكوردي: لا مستقبل لتوحد مجتمعات وحكومتت العراق إذا لم تواجه ماضيها بشجاعة. فالإفلات من العقاب وعدم تعويض المتضررين يعني تهيئة الظروف لتكرار نفس السياسات التي أنتجت المأساة.

وتأملاته في هذه الذكرى توضح أن الأنفال  البارزانية ضمن الانفال الكردية، بالنسبة له ليست مجرد مأساة كوردية، بل هي لحظة امتحان لفكرة الدولة الحديثة في العراق. حين تغيب آلاف العائلات دفعة واحدة ثم يُترك ذووهم لعقود بلا إنصاف، فهذا يفضح انهيار العقد الاجتماعي يومذاك ابان الدكتاتورية. لذلك يحمل خطابه دعوة واضحة إلى إعادة صياغة هذا العقد على أساس الاعتراف بما جرى وتضميد الجراح التي تركتها سياسات الإبادة.

تاريخياً، يقرأ نيجيرفان الأنفال كحجر أساس في الوعي الجمعي الكردي. من هذه اللحظة بدأ الكورد يدركون أن بقائهم مرتبط بوعيهم لأنفسهم وتنظيمهم لذاتهم. ولهذا فإن ذكرى المفقودين ليست عنده مجرد مناسبة حزينة، بل هي موعد سنوي لمراجعة ما تحقق من حقوق ولتذكير الدولة بأنها مطالبة بفعل أكثر من الكلام. واللافت أن خطابه لا ينغلق في دائرة كردية صرفة، بل يوجه كلامه إلى جميع المكونات العراقية، كأنه يريد القول إن دروس الأنفال تخص كل من يعيش في هذا البلد.

فهو يبرز عراقيته وحزنه بموازاة كورديته وحزنه..

خطاب نيجيرفان يقدم إجابة ضمنية. يرى أن الدولة التي تريد الاستقرار عليها أن تواجه الماضي بأدوات العدالة، وأن تبني نظاماً يحمي المواطن لا يهدده. في نظره، ما لم تُعالج قضية المفقودين وتعويض ذويهم، ستظل الأنفال حاضرة كقوة سلبية تمنع بناء الثقة.

وبهذا المعنى، يصبح استذكار الأنفال عند نيجيرفان ممارسة سياسية وثقافية معاً. إنه يسعى إلى ترسيخ وعي جماعي لا ينسى ما حدث، ويحوّل الألم إلى دعوة لإعادة بناء الدولة على أسس مختلفة. في كل مرة يتحدث فيها عن تلك الجريمة، يبدو  نيجيرفان المؤرخ وليس السياسي وكأنه يكتب وثيقة جديدة في تاريخ العراق، وثيقة تقول إن الماضي لا يموت ما لم تعالج آثاره بالكامل.

نيجيرفان بارزاني مؤرخ الحزن البارزاني الكردي العراقي في وقت واحد وصفة المؤرخ تضاف لصفاته السياسية والاستراتيجية والادارية والقيادية في رجل واحد هو نيجيرفان بارزاني العراقي الكوردي والكوردي العراقي...