حق الكورد بتقرير المصير بين الاستقلال والسيادة الذاتية في إطار الدولة العراقية

سامان بريفكاني( خاص لموقع روداو):تُعد المسألة الكوردية في العراق من القضايا المحورية التي شكلت ومازالت تشكل أحد أبرز التحديات في بناء الدولة العراقية الحديثة. فهي ليست قضية حدود أو سلطة بقدر ما هي قضية هوية وحقوق قومية لشعبٍ يمتلك مقوماته التاريخية والثقافية والسياسية الخاصة.

أكتوبر 11, 2025 - 18:59
حق الكورد بتقرير المصير بين الاستقلال والسيادة الذاتية في إطار الدولة العراقية

في خضم التحولات الإقليمية والدولية، تتجدد النقاشات حول حق الشعب الكورديفي الاستقلال، وهو حق مشروع من حيث المبدأ القانوني والسياسي، لكنه غالباً ما يُساءتفسيره على أنه دعوة إلى الانفصال أو تفكيك الدولة العراقية.

إن التمييز بين الاستقلال والانفصال أمر جوهري لفهم طبيعة المطالب الكوردية، إذ إنّالاستقلال في الفكر السياسي الحديث لا يعني بالضرورة الانقسام أو العداء، بل يمكن أنيعبّر عن رغبة في إدارة الذات وتحقيق العدالة القومية ضمن إطار سلمي وديمقراطي،يحافظ على الاستقرار ويعزز مبادئ التعايش المشترك. ومن هذا المنطلق، تبرز أهميةمناقشة هذا الحق، بعيدًا عن الخطابات المتشنجة والانفعالية التي كثيراً ما عطّلتفرص الحوار البنّاء بين بغداد والإقليم.

تشكل القضية الكوردية في العراق واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في الشرق الأوسط،إذ تمتد جذورها في التاريخ الحديث والمعاصر، وتستند إلى هوية قومية متميزة وثقافةخاصة للشعب الكوردي الذي يعيش على أرضه التاريخية منذ قرون. ومع ذلك، فإنّالحديث عن حقه في الاستقلال غالباً ما يُساء فهمه ويُخلط بينه وبين الانفصال، رغم أنبين المفهومين اختلافاً جوهرياً في الدلالة السياسية والقانونية.

حق الكورد يستند في المطالبة بالاستقلال إلى مبدأ تقرير المصير الذي أقرّته المواثيقالدولية، ولاسيما ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. هذاالمبدأ يمنح الشعوب التي تمتلك هوية قومية متميزة حق اختيار شكل نظامها السياسيوالإداري بحرية، سواء ضمن دولة اتحادية أو من خلال كيان سياسي مستقل، شريطة أنيتم ذلك بطرق سلمية ودستورية.

ومن هذا المنطلق، فإن المطالبة بالاستقلال لا تُعد خروجاً عن القانون الدولي، بل هيتعبير مشروع عن إرادة شعب يسعى إلى ضمان مستقبله السياسي والاقتصاديوالثقافي في إطار يحقق له العدالة والمساواة.

منذ عام 2005، أقرّ الدستور العراقي النظام الفيدرالي، مانحاً إقليم كوردستانصلاحيات واسعة في إدارة شؤونه الداخلية، بما في ذلك الأمن والتعليم والاقتصاد

الدستور نصّ بوضوح على أن العراق دولة اتحادية (فيدرالية) تتكون من أقاليمومحافظات، إلا أن التطبيق العملي لهذا النظام ظلّ يعاني من خلل بنيوي واضح. فالحكومة الاتحادية في بغداد لم تتعامل مع إقليم كوردستان بوصفه شريكاً في اتحاددستوري، بل كثيراً ما اتخذت سلوكاً أقرب إلى الحكومات المركزية التقليدية، من خلالالتحكم في الثروات النفطية، وتقييد الصلاحيات المالية والإدارية، والتدخل في شؤونالإقليم الداخلية.

هذا الواقع خلق توتراً مستمراً في العلاقة بين بغداد وأربيل وأضعف الثقة المتبادلة بينالطرفين، إذ يشعر الإقليم بأن النظام الفيدرالي المعلن في النصوص لا يجد ترجمةفعلية في الممارسة السياسية. وفي المقابل، ترى الحكومة الاتحادية أن بعض خطواتالإقليم، مثل توقيع اتفاقيات نفطية مستقلة أو تنظيم الاستفتاء على تقرير المصير،تمسّ بسيادة الدولة ووحدتها.

ومن ثم، يمكن القول إنّ المشكلة لا تكمن في النظام الفيدرالي نفسه، بل في غيابالإرادة السياسية لتطبيقه فعلياً وفق ما نص عليه الدستور، مما جعل العراق يعيشحالة "فيدرالية شكلية ومركزية واقعية"، أي اتحاد على الورق ومركزية في الممارسة

وفي الحالة الكوردية، فإنّ المطالبة بالاستقلال لا تُعبّر بالضرورة عن نية الانفصال عنالعراق، بل تعكس رغبةً في تعزيز السيادة الداخلية وتوسيع الصلاحيات الدستورية بمايضمن تحقيق العدالة القومية والمشاركة الحقيقية في بناء الدولة الاتحادية الحديثة.

هنا يجب أن نعرف بأن هناك فرق بين الاستقلال والانفصال. الانفصال غالباً ما يُفهمعلى أنه إجراء قسري أو عدائي يؤدي إلى تفكيك الدولة الأم دون توافق أو اعترافمتبادل، وغالباً ما يرتبط بالأزمات السياسية أو الصراعات المسلحة.

أما الاستقلال، فيحمل بعداً قانونياً وسياسياً أعمق، إذ يُعبّر عن عملية تفاوضية وسلميةيمكن أن تُفضي إلى صيغة جديدة من العلاقة بين المكونات القومية داخل الدولةالواحدة.

هذا الواقع يدفعنا إلى التأكيد بأن الاستقلال ليس انفصالاً عن العراق، بل هو حق فيإدارة الذات وضمان الكرامة القومية ضمن إطار من التفاهم الوطني.

إن الطريق الأمثل لمعالجة هذه القضية لا يكمن في المواجهة أو رفض المطالبالقومية، بل في حوار وطني صريح وشجاع يعترف بخصوصية شعب كوردستان ويمنحهالحق في تقرير مصيره ضمن إطار ديمقراطي وسلمي. فالشراكة السياسية القائمة علىالثقة المتبادلة هي وحدها الكفيلة بالحفاظ على وحدة العراق واستقراره، وضمانحقوق جميع مكوناته، وفي مقدمتهم الكورد الذين كانوا دائما جزءاً أصيلاً من نسيجهالتاريخي.

مطالبة الكوردستانيين بالاستقلال ليست دعوة إلى الانفصال، بل هي بحث عن العدالةالسياسية وإعادة التوازن في علاقة مضطربة بين بغداد وأربيل. إن الاعتراف بحق الكوردفي تقرير المصير وفق القواعد الدستورية والدولية لا يهدد وحدة العراق، بل يعززهاعبر بناء دولة اتحادية عادلة، تقوم على مبدأ الشراكة الحقيقية واحترام التنوّع القوميوالثقافي.