سرّه الباتع ما بين الابداع والتجريح.

خاص لموقع hiwar/ احمد العتبي: مع الزخم الكبير للمسلسلات العربية في المواسم الرمضانية كل عام، أكون في حيرةٍ من أمري لاختيار مسلسلٍ واحدٍ او اثنين للمتابعة، ولمعرفتي الكبيرة بالمخرج المصري الكبير خالد يوسف، وبعد (البروموهات) التشويقية، وعرض عدّة حلقات من مسلسله "سرّه الباتع"، الذي كتب له السيناريو وأخرجه بنفسه، وهو ما جعله المتحكم الوحيد، والمسؤول الأول عن إظهاره بالكيفية التي شاهدناه بها، وبعد أن شاهدت مقتطفاتٍ من المسلسلات الأخرى التي حازت إعجاب الناس وتصدرت (التريندات) على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفصائية.. قررتُ اخيراً أن أشاهدَ مسلسل سرّه الباتع دونَ سواه.

سبتمبر 26, 2025 - 11:09
سرّه الباتع ما بين الابداع والتجريح.

المسلسل مأخوذٌ عن قصة قصيرة للكاتب المصري الكبير "يوسف ادريس" (1927-1991) تقع في (38) صفحة من القطع الأوربي، تحمل الاسم ذاته، صدرت عن "دارالآداب-بيروت" ضمن مجموعة قصصية في العام (1958 وتتكون المجموعة من سبعقصص، حملت اسم "حادثة شرف" إحدى القصص السبع، وتسلسلها السادسة ضمنالمجموعة، تليها سرّه الباتع وهي الأخيرة.

تنتمي القصة للميتاقص، أو ماوراء القصّ-Metafuction ، وهو ببساطة السرد الروائيللتاريخ، والميتاقص بمعنى أعمق بقليل هو سرد التاريخ بشكلٍ روائي، فني، جذّاب،مبهر، يحتوي على عناصر الإثارة، والتشويق، والإمتاع، وليس هو التاريخ نفسه، وإنما هوالمحتوى غير المسرود في القصة التاريخية في إطارها التاريخي الحقيقي والواقعيالعام لها.

أثار المسلسل بعض السخريات هنا وهنالك من المهاجمين لكل الأعمال الإبداعيةالكبرى عبر التاريخ الفني لصناعة السينما والتلفزيون، حتى تناولت قنوات عالمية مثلBBC وغيرها فحوى تلك الانتقادات الساخرة، ومنها ظهور العلامة التجارية المعاصرةلحذاء أحد (الكومبارسات) في احد المشاهد، وظهور بعض الممثلين سمر البشرةبأدوارِ الجيش الفرنسي، وظهور جزء من (الفانيلة الداخلية) للبطل "احمد السعدني"في مشهدٍ ثالث.. 

ولهؤلاء ولغيرهم أقول: هل سلِم مصنّفٌ فنيٌّ من مشارط النقد الجارح لمحلليومدققي ونقّاد الدراما؟ هل سلِم "فيلم الرسالة"- على سبيل المثال، وهو أكبر عملٍفني عربي على الإطلاق من النقد والتجريح؟

هل سلِمت الأفلام العالمية الكبرى، التي نالت الجوائز الاستثنائية واحتفى بها الأولونوالآخِرون من الناس من التمحيص والفحص الدقيق لتلك اللقطة وذلك المشهد؟

هل سلِم الحديثُ النبوي والقرآن نفسه- والأمثلة بالتأكيد تُضرَب ولا تُقاس، من النقدوالدراسات التاريخية ووضع الإشكالات اللغوية والبنيوية والتاريخية والعلمية فيهمالتوضع بالمقابل آلاف الكتب في الدفاع عنهما؟

لمَ لا نترك تلك التفاصيل التي لا تُقدم ولا تؤخر، وننظر إلى العمل الإبداعي بمجمله، هليمكن أن يهدم ظهور (2سنتمتر) من (فانيلة) داخلية، الجهود الجبّارة التي قام بها أكثرمن (60) ممثل عربي بأدوار رئيسية، إضافة إلى اكثر من (100) ممثل ثانوي،وكومبارس، و (300) من العاملين في صناعة السينما والتلفزيون والحرفيين والفنيينوالإداريين والعمال؟ ألا يذكُر أحدُ النقّاد الجهابذة قول الأشياخ المسلمين وهميرددون: (أبى اللهُ التّمامَ إلا لكتابه)؟

تدور ثيمة المسلسل في زمنين مختلفين، أولهما الزمن الحاضر، وثانيهما زمن الحملةالفرنسية لاحتلال مصر (1798-1801) بقيادة الجنرال "نابليون بونابرت" بهدف الدفاععن المصالح الفرنسية، والحديث عن أهميتها التاريخية والعلمية وانتصاراتالفرنسيين حتى الانسحاب يطول شرحه، وما يهمنا هو قصة المسلسل في بطله"حامد" الذي أحب اسمه، وهو اسم بطل روايتي الأولى "وردي" الصادرة عن "دارالرافدين-بيروت" عام (2018).

وحامد هو بطلٌ شعبي مختَلَق قصصياً، له عدّة مزارات أو مقامات في مناطق الدلتاالمصرية، قاتل الفرنسيين ببسالة، وصار له عدّة أتباع يتبعون اوامره ويقاتلون معه،وكثرت اخباره، وازدادت القصص التي تحكي شجاعته واستبساله المروية شفاهيّاً بينالناس، حتى تحول إلى اسطورةٍ شعبية تناقلت الألسن ماحدث فيها بالكثير من التهويلوالتضخيم. والمسلسل يتناول القصة من باب السرد التاريخي لها كما أسلفتُ سابقاً.

من أبطال المسلسل أحمد السعدني، وحسين فهمي، وحنان مطاوع، وأحمد عبدالعزيز، وأحمد فهمي، وريم مصطفى، وأحمد وفيق، وصلاح عبد الله، وهالة صدقي،ونجلاء بدر، ومنة فضالي، ومحمود قابيل، وعايدة رياض وآخرين.

وكانت- بحسب رأيي، أدوار الممثلين في زمن الحملة الفرنسية أقوى وأشد جذباً وأكثرحِرفية، من تلك التي يمثل أبطالها أحداثاً تقع في الحاضر. وقد أحسنَ خالد يوسفالاختيار، فأحمد السعدني بالتأكيد هو أفضل من أحمد فهمي، و حنان مطاوع هيأفضل بكثير من ريم مصطفى... وهكذا كانت المجموعتان من الممثلين، فعايدة رياضواحمد عبد العزيز، الذين أحبّ اداءهما بشكلٍ لايوصف- على سبيل المثال، يكفي بأنيرمش أحدهما أو يوميء بوجهه أو يده أو رجليه حتى أقول عنه أنه يمثّل بكلّ إتقان،فكيف بمسلسلٍ يجمعهما مع تلك النخبة الكبيرة والميزانية الهائلة والقصة التي سبقتعصرها [الميتاقص ظهر مع مفاهيم ما بعد الحداثة- Post modernism خلال الفترة(1970-1990) وقصة سرّه الباتع تم نشرها خلال العام (1958)].

* احمد العتبي:كاتب وروائي عراقي  من اصداراته: رواية وردي، دار الرافدين2018 و رواية يقين، دار محررو الكتب2019