طموحات النخب الشبابية الكردية في كوردستان بين السيد نيجيرفان بارزاني والسيد إدريس نيجيرفان بارزاني كيف نفهم القبول العام والتلقي الخاص للأب والابن؟

خاص لموقعhiwar:قاسم شفيق الخزعلي: في قلب المشهد الكردي، حيث تتداخل السياسة مع المجتمع وتتشابك التحديات مع الطموحات، يظهر اسمان يشغلان اهتمام النخب الشبابية: نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان، وابنه إدريس نيجيرفان بارزاني الذي يخطو بثبات في مسار مختلف عن التقليد السياسي الموروث. حضور الأب يعكس تجربة سياسية راسخة تمكّنت من تأمين موقع متوازن للإقليم في محيط عراقي وإقليمي متقلب، بينما يعكس حضور الابن وجهاً شاباً يجتهد لفتح مسارات اجتماعية وثقافية وإنسانية، تلمس مباشرة احتياجات جيل صاعد يتوق إلى دور جديد في صناعة مستقبله.

سبتمبر 25, 2025 - 19:23
سبتمبر 25, 2025 - 19:47
طموحات النخب الشبابية الكردية في كوردستان بين السيد نيجيرفان بارزاني والسيد إدريس نيجيرفان بارزاني كيف نفهم القبول العام والتلقي الخاص للأب والابن؟

القبول العام الذي يحظى به نيجيرفان يقوم على شبكة معقدة من الإنجازات السياسية والإدارية والدبلوماسية، في حين أن التلقي الخاص لشخصية إدريس ينبع من مبادراته الاجتماعية والإنسانية التي تلامس حياة الشباب اليومية وتدخل إلى تفاصيلها العملية. هذان الخطان، وإن بديا مختلفين، يلتقيان عند نقطة واحدة: الحاجة إلى صياغة نموذج سياسي جديد يتجاوز الحزبية الضيقة ويربط بين المجتمع والدولة عبر جسر الشباب.

نيجيرفان بارزاني ليس مجرد رئيس حكومة محلي. بل هو سياسي عراقي قبل كرديته ، وتجربته السياسية تمتد لأكثر من عقدين، وخلالها تميز بالقدرة على التوازن بين المصالح الداخلية الكردية وتعقيدات العلاقة مع بغداد والجوار الإقليمي. هذا الدور جعله لدى شريحة واسعة من الأكراد رمزاً للاستقرار النسبي، خصوصاً في مرحلة ما بعد صعود تنظيم داعش وما تبعها من أزمات أمنية واقتصادية.

النخب الشبابية ترى فيه شخصية واقعية عراقية كردية في وقت واحد، قادرة على تأمين الحماية السياسية للإقليم. والعمل في بغداد بروح الحماية للعراق، وشهادات بعضهم تعكس ذلك بوضوح. يقول شاب جامعي من أربيل: “نحن نعرف أن الخلافات  تستهلك طاقتنا، لكن وجود نيجيرفان يعطينا شعوراً أن هناك من يستطيع الإمساك بالخيوط ومنع الانهيار”. ويضيف ناشط ثقافي من السليمانية: “ربما لا يفهمه البعض مع كل سياساته، لكننا ندرك أنه يمثل صمام أمان وسط وضع مضطرب”.

هذا القبول العام لا يعني غياب المطالب. فالشباب يطالبون بتغيير أعمق في أنماط الواقع الشبابي، وبتقليل الفجوة بين السلطة والمجتمع. لكنهم، رغم ذلك، يعترفون بقدرة نيجيرفان على حماية تجربة الإقليم من الانزلاق إلى صراعات داخلية أو مواجهات مفتوحة مع بغداد.

وهم يرون كما اخبرني احدهم:" نيجيرفان صورة من صور الرئاسة الواقعية"

على الضفة الأخرى، يتحرك إدريس نيجيرفان بارزاني في فضاء مختلف. اختار منذ بداياته أن يبتعد عن السياسة المباشرة، متجهاً نحو العمل الخيري والثقافي والرياضي. تأسيسه لمنظمة “روانكة” مثلا،  مثّل نقطة انعطاف لافتة، إذ تحولت المنظمة سريعاً إلى واجهة لمشاريع شبابية وإنسانية غير مسبوقة في الإقليم.

من المشاريع  الأبرز لـ “روانكة” كان توفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل عبر منصة إلكترونية تربط بين الشباب والشركات. لكن الأثر لم يكن محصوراً في الأرقام فقط. شباب كثر تحدثوا عن تحولات عميقة في نظرتهم لأنفسهم بعد الانخراط في تدريبات المنظمة. شابة من اربيل قالت: “تعلمت كيف أكتب سيرتي الذاتية وأتحدث بثقة في مقابلة عمل. هذا لم يكن متاحاً لنا في الجامعات”. شاب آخر من دهوك أضاف: “بعد مشاركتي في التدريب لم أعد أفكر بالهجرة. شعرت أن هناك من يفتح أمامنا طريقاً داخل بلدنا رجا اسمه الشيخ ادريس”.

الأمر لم يقف عند سوق العمل. ف:“روانكة” نظمت مسابقات ثقافية وفنية شملت القصة القصيرة والتصوير الفوتوغرافي والأفلام القصيرة، وأصبحت منصة لإبراز مواهب الشباب. يقول أحد المشاركين: “وجود إدريس في الحفل لم يكن بروتوكولياً. جلس معنا، استمع لقصصنا، وتحدث عن تجربته الشخصية. شعرنا أنه واحد منا”.

كما أن انخراط المنظمة في توزيع مساعدات غذائية على آلاف العائلات ، وتأمين مياه الشرب للنازحين، عزز صورتها كفاعل إنساني. هنا يبرز إدريس بشخصية مختلفة: شاب يجمع بين البعد القيمي في فهم العمل الخيري باعتباره قيمة خلقية، وبين البعد المدني الذي يجعله مشروعاً تنموياً.

من المثير أن القبول العام للأب والتلقي الخاص للابن لا يبدوان الا بشكل: قطبا الرحى. لا بل ويظهران كمشهد تكاملي يعكس حاجات مختلفة داخل المجتمع العراقي عموما والكردي خصوصا، فالأب يوفر الإطار السياسي والاستقرار العام، بينما يملأ الابن الفراغ الإنساني والاجتماعي الذي يحتاجه الشباب.

أحد المثقفين الكرد وصف هذه الثنائية بالقول: “نيجيرفان هو المظلة التي تحمينا من العواصف السياسية. إدريس هو اليد التي تمتد لتلمس تفاصيل حياتنا اليومية”. هذه الرؤية تعكس وعياً متزايداً لدى الشباب بأن القيادة ليست شأناً سياسياً فقط، بل عملية مركبة تشمل التنمية والتمكين والاندماج الثقافي.

الشباب الكردي يعيش اليوم بين ضغوط اقتصادية قاسية وتطلعات كبرى للمشاركة في بناء مستقبل الإقليم. البطالة، الهجرة، ضعف الخدمات، وتراجع الثقة بالعمل، وكلها عناصر تدفعهم إلى البحث عن نموذج جديد. في هذا السياق، يجذبهم نمط القيادة الذي يجمع بين السياسة والمجتمع، بين الإدارة والتنمية، بين المحلي والعالمي.

إدريس بوجهه الشبابي العراقي المدني يمثل استجابة لهذه الحاجة. لكن الشباب يرون أن التجربة يجب أن تتسع أكثر لتشمل شراكات أكبر مع الجامعات، مع المجتمع المدني، ومع القطاع الخاص. أحد شباب ارييل قال: “لا نريد أن يبقى العمل الخيري منفصلاً عن السياسة. نريد أن يتحول إلى سياسة بحد ذاته، سياسة للشباب وهو ما نراه في ادريس”.

هذه الرؤية الحالية والمستقبلية لادريس الابن، تمنح الشباب الكرد شعوراً أن تجربتهم ليست معزولة، بل جزء من موجة إقليمية تبحث عن أدوار جديدة للجيل الشاب. لكنها أيضاً تؤكد خصوصية التجربة الكردية التي تواجه تحديات معقدة مرتبطة بالصراع القومي والهوية والاقتصاد.

شاب من أربيل  اعاد ما قاله اخر بعبارة اوضح، قال: “أثق بنيجيرفان لأنه يعرف كيف يحمي الإقليم من الانقسام. وأثق بإدريس لأنه يعرف كيف يفتح لنا أبواباً جديدة. نحن بحاجة إلى الاثنين”.

طالبة من دهوك أضافت: “قد لا نرى إدريس في البرلمان أو الحكومة الآن، لكننا نراه في حياتنا اليومية. وهذا أحياناً أهم من السياسة”.

مثقف كردي مخضرم علق: “نجاح إدريس سيكون نجاحاً لنا جميعاً حيث استطاع أن يحافظ  اليوم كالامس على استقلالية مبادراته وأن يحولها إلى مشروع وطني طويل الأمد”.

النخب الشبابية تنظر إلى المستقبل على أنه امتداد لهذه الثنائية. نيجيرفان، بخبرته السياسية، يظل ضرورة حالية لحماية متفوقة. إدريس، بطاقة شبابه ومبادراته، يمثل وعد الغد. الجمع بين الاثنين قد يكون الصيغة التي تمنح كردستان فرصة لتجديد شبابها عبر إدخال بعد اجتماعي وثقافي وإنساني لم يكن في قلب التجربة من قبل.

وهكذا فإن القبول العام للأب والتلقي الخاص للابن لا يختصران في لحظة آنية، بل يعكسان دينامية أوسع. الشباب يبحثون عن واقعية تمنحهم الأمان السياسي والفرص الحياتية في آن واحد. نيجيرفان يمنح الأول، وإدريس يفتح الطريق للثاني. والرهان الحقيقي هو أن يتحول هذا التكامل إلى مشروع  جامع يعيد رسم العلاقة بين السلطة والمجتمع على أسس جديدة، يندمج فيها الشباب لا كأتباع، بل كفاعلين أساسيين في بناء المستقبل.

هذا مأمول من الاب والابن كلاهما سويا....