كرامة الإنسان في زمن الفوضى

يوليو 17, 2025 - 10:29
كرامة الإنسان في زمن الفوضى

بقلم: سيروان عبد الكريم علي

سياسي وأكاديمي

تشير مأساة السويداء الأخيرة في سوريا إلى الانهيار العميق للقيم الإنسانية في مناطق تسودها الحروب والصراعات المسلحة. ورغم عدم التأكد من تفاصيل مقتل الرجل المسن، إلا أن مجرد تداول فيديوهات تُظهره يتعرض للإهانة وربما للتعذيب، هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وقواعد الكرامة الأساسية. إجبار رجل طاعن في السن على تقليد أصوات الحيوانات، وحلق شاربه – وهو رمز للعبادة والقداسة في العديد من ثقافات الشرق الأوسط – والاعتداءات الجسدية المحتملة، كل ذلك يعكس انهيار القيم التي كانت تضبط حتى سلوكيات الحروب. هذه الأفعال ليست مجرد تصرفات فردية بل تدل على انهيار أخلاقي عميق في المجتمعات التي اعتادت أن تضع حدودًا للانتقام والعنف.

 ما حدث في السويداء اليوم يعيد إلى الأذهان ما جرى في بغداد في تموز 1958، عندما تم قتل العائلة المالكة العراقية ورئيس الوزراء نوري السعيد بطريقة وحشية، وسُحلت جثثهم في الشوارع. لم تكن تلك أفعالًا لتحقيق العدالة، بل كانت مشاهد إذلال علني، تُظهر كيف يتحول الغضب الشعبي إلى وحش لا ضوابط له. هذه ليست حوادث معزولة، بل علامات على مرض اجتماعي عميق، حيث تُستبدل الدولة بالقوة، والرحمة بالثأر. ليست سوريا أو العراق وحدهما من يعاني، فإيران أيضًا تشهد أوجهًا مختلفة لنفس المعاناة. الشعوب تُسحق بين أنظمة استبدادية ومليشيات خارجة عن القانون، بينما القانون غائب، ومع غيابه تغيب إنسانية الإنسان.

لا يهدف هذا المقال إلى إطلاق أحكام سياسية، بل إلى توثيق الشهادة. ما نشهده اليوم في أجزاء من الشرق الأوسط ليس إلا عودة إلى زمن السلب والقتل دون وازع. الشعوب السورية والعراقية والإيرانية تعاني منذ عقود، بلا حماية حقيقية ولا أمل في العدالة. وإذا صحّت أخبار وفاة الرجل المسن، فربما نستطيع أن نقول إن الله قد أنقذه من عالم خذله. لقد كان صاحب كرامة – لا لأنه صاحب جاه أو مال – بل لأنه إنسان. وهذه الكرامة يجب ألا تُنسى.