الرؤية العراقية قبل الرؤية الكوردية في فكر نيجيرفان بارزاني السياسي

خاص لموقع hiwar/ قاسم محسن شفيق الخزعلي: يقدم فكر نيجيرفان بارزاني السياسي مقاربة تستحق التحليل العميق، حيث يبدو أن رؤيته للعراق كدولة موحدة ومستقرة تسبق، أو على الأقل تتكامل بشكل وثيق، مع رؤيته لإقليم كردستان كجزء لا يتجزأ من هذا الكيان الأكبر.

يوليو 19, 2025 - 23:26
يوليو 19, 2025 - 23:38
الرؤية العراقية قبل الرؤية الكوردية في فكر نيجيرفان بارزاني السياسي

يُعد نيجيرفان بارزاني من أبرز السياسيين الكورد الذين يتبنون خطاباً سياسياً يركز علىالوحدة العراقية والتكامل الوطني. ففي العديد من المناسبات، شدد بارزاني على أن“الوطن يجب أن يكون هو الجامع لنا كلنا”، مؤكداً أن هذه الرؤية هي الأساس لاستقرارالإدارة والحوكمة في العراق. هذا التوجه ليس مجرد شعار سياسي، بل هو انعكاسلإيمان عميق بأن مستقبل إقليم كردستان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبل العراق ككل. فبدلاً من التركيز على الانفصال أو التمايز، يتبنى بارزاني مقاربة تقوم على الشراكةوالتعاون بين جميع المكونات العراقية.

تتجلى هذه الرؤية في دعوته المتكررة إلى “صياغة رؤية عراقية مشتركة لتحسينالأوضاع المعيشية للمواطنين”. هذه الدعوة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب،بل تمتد لتشمل الجوانب السياسية والاجتماعية. فبارزاني يرى أن المشاكل التييواجهها العراق، سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو سياسية، لا يمكن حلها إلا من خلالتضافر الجهود وتوحيد الرؤى بين بغداد وأربيل، وبين جميع الأطراف السياسية فيالبلاد. وفي هذا السياق، أكد أن “العراقيين لن يقبلوا بعد الآن بشعارات بلا مضمون”،مما يعكس إدراكه لحاجة الشعب العراقي إلى حلول عملية وملموسة لمشاكله.

إن التزام بارزاني بالوحدة العراقية لا يعني التخلي عن الحقوق الدستورية لإقليمكردستان، بل يرى أن هذه الحقوق يجب أن تُمارس ضمن إطار العراق الموحد. فالفيدرالية، في نظره، هي “الضامن الحقيقي لحقوق جميع مكونات العراق بدونتمييز”. ومع ذلك، فهو لا يغفل عن التحديات التي تواجه تطبيق الفيدرالية في العراق،حيث صرح بأن “العراق فيدرالي اسماً وليس مضموناً”، وأن “عدم تطبيق الفيدرالية هومصدر مشاكل العراق”. هذا النقد البناء يعكس رغبته في تصحيح المسار وضمانالتطبيق الكامل للدستور، الذي يراه الحل الأمثل لمعظم المشاكل والتوترات في البلاد.

كما يولي بارزاني أهمية قصوى للحوار بين بغداد وأربيل، معتبراً إياه السبيل الوحيدلحل القضايا العالقة. فزياراته المتكررة إلى بغداد، ولقاءاته مع المسؤولين العراقيين،تؤكد حرصه على تعزيز العلاقات وتجاوز الخلافات. وقد وصف العلاقة مع بغداد بأنها“جيدة جداً”، مشيداً بجهود رئيس الوزراء العراقي في حلحلة المشاكل. هذا التوجهالبراغماتي يعكس قدرته على التعامل مع التحديات السياسية بحكمة ودبلوماسية،ووضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبارات أخرى.

وفي إطار رؤيته الإقليمية، يرى بارزاني أن “تقدم إقليم كردستان يمثل قوة كبيرةللعراق”، وأن الإقليم “عامل استقرار في المنطقة ويمد يد العون لجميع الأطراف”. هذاالتصور يعكس دور إقليم كردستان كشريك فاعل في بناء عراق مستقر ومزدهر، وليسككيان يسعى للانفصال. فالتكامل الاقتصادي والأمني بين الإقليم وبغداد هو مفتاحالتنمية الحقيقية للعراق، وهو ما يؤكده بارزاني في خطابه السياسي.

ولا يمكن فهم فكر نيجيرفان بارزاني السياسي دون التطرق إلى كيفية تعامله مع الهويةالكوردية ضمن إطار رؤيته العراقية الشاملة. فبارزاني، كقائد كوردي بارز، يدرك تماماًأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والقومية للشعب الكوردي، لكنه يرى أن هذه الهويةلا تتعارض مع الانتماء الوطني العراقي، بل يمكن أن تتكامل معه لتشكل نسيجاً وطنياًغنياً ومتنوعاً.

يؤكد بارزاني على أهمية “حماية الهوية الوطنية والتعددية الثقافية والدينية” فيالعراق. هذا التأكيد يعكس إيمانه بأن قوة العراق تكمن في تنوعه، وأن الحفاظ علىخصوصية كل مكون من مكوناته، بما في ذلك المكون الكوردي، هو عامل قوة وليسضعفاً. فالهوية الكوردية، في نظره، ليست هوية انعزالية، بل هي جزء لا يتجزأ منالفسيفساء العراقية الأكبر.

وفي هذا السياق، يرى بارزاني نفسه كـ “زعيم كردي لا يرى نفسه منفصلاً عن بغداد، بليعتبر نفسه شريكاً في صنع القرار من أجل مصلحة العراق”. هذه المقولة تلخص جوهرفكره السياسي، حيث يرفض الانفصالية ويدعو إلى الشراكة الحقيقية في بناء الدولة. فالمصلحة الكوردية، من وجهة نظره، تتحقق بشكل أفضل ضمن عراق مستقرومزدهر، حيث يتمتع الكورد بحقوقهم الدستورية ويشاركون بفاعلية في العمليةالسياسية.

إن التزامه بـ “بناء مجتمع يعمه التعايش السلمي بين كافة أديان وقوميات الإقليم” هودليل آخر على هذه الرؤية التكاملية. فإقليم كردستان، تحت قيادته، أصبح نموذجاًللتعايش والتسامح، حيث تتعايش مختلف الأديان والقوميات بسلام. هذا النموذج،الذي بناه بارزاني بجهود حثيثة، يمكن أن يكون مثالاً يحتذى به للعراق ككل، بلوللمنطقة بأسرها. فالحفاظ على التنوع وتوطيد التعايش السلمي هو ركيزة أساسية فيفكره السياسي، وهو ما يسعى إلى تعميمه على المستوى الوطني.

وفيما يتعلق بالقضية الكوردية بشكل عام، يرى بارزاني أنها “لا ينبغي أن تُحل بإراقةالدماء”، بل من خلال الحوار والتفاهم. هذا الموقف يعكس نهجه السلميوالدبلوماسي في التعامل مع القضايا الشائكة، ويسعى إلى إيجاد حلول مستدامةتضمن حقوق الكورد دون المساس بوحدة العراق واستقراره. فالحوار، في نظره، هوالأداة الفعالة لتحقيق المطالب المشروعة وتجاوز الخلافات، وهو ما يطبقه في علاقاتهمع بغداد ومع الأطراف الإقليمية والدولية.

وبالتالي، فإن الهوية الكوردية في فكر نيجيرفان بارزاني ليست هوية متناقضة معالهوية العراقية، بل هي هوية متكاملة تسعى إلى تعزيز الوحدة الوطنية من خلالالتنوع. إنه يرى أن قوة العراق تكمن في قدرته على احتضان جميع مكوناته، وأن إقليمكردستان يمكن أن يلعب دوراً محورياً في بناء عراق قوي ومستقر، يحقق تطلعات جميعأبنائه، كورد وعرب وتركمان وغيرهم.

في الختام، يتضح أن فكر نيجيرفان بارزاني السياسي يتميز بواقعية عالية ورؤيةاستراتيجية تضع مصلحة العراق ككل في المقام الأول، دون التخلي عن حقوق ومطالبالشعب الكوردي. إن مقاربته التي تركز على الوحدة الوطنية، والتعايش السلمي،وتطبيق الدستور، والحوار المستمر، تمثل نموذجاً للقيادة التي تسعى إلى بناء دولةقوية ومستقرة في منطقة مضطربة.

لقد أثبت بارزاني، من خلال مسيرته السياسية الطويلة ومواقفه المتوازنة، أنه ليسمجرد زعيم إقليمي، بل هو رجل دولة يمتلك القدرة على تجاوز الانقسامات الضيقةوالعمل من أجل مصلحة وطنية أوسع. إن رؤيته للعراق ككيان موحد ومتكامل، حيثتتفاعل الهويات الفرعية وتتكامل بدلاً من أن تتصارع، هي رؤية ضرورية لمستقبلالعراق والمنطقة.

إن التحديات التي تواجه العراق كبيرة ومتعددة، ولكن القيادات التي تتبنى رؤية شاملةوواقعية، مثل نيجيرفان بارزاني، يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في تجاوز هذه التحدياتوبناء مستقبل أفضل لجميع العراقيين.

ان الرؤية العراقية في فكر نيجيرفان بارزاني لا تسبق الرؤية الكوردية فحسب، بلتحتضنها وتمنحها إطاراً أوسع للنمو والازدهار ضمن دولة موحدة ومستقرة.