ادريس بارزاني و"روانكة" وتنظيم القيادة والمنظمة.. محاولة للفهم

خاص وحصري لموقعhiwar:د زياد حمد الصميدعي واكرم طالب الوشاح(منظمة ادارة الازمة):إدريس نيجيرفان بارزاني لم يدخل دائرة الضوء من باب السياسة المباشر، بل من باب المجتمع. ابن كوردستان الذي تشرب فكرة قدسية الأرض والانتماء العميق إليها، لم يستند فقط إلى خلفيته العائلية، بل صنع لنفسه رصيداً قائماً على الثقة والصدق والمثابرة. في نظر كثير من الشباب الكرد، لم يكن مجرد وريث سياسي محتمل، بل شاباً اختار العمل الخيري والثقافي والرياضي أداة لتأسيس قيادة مدنية تسبق أي طموح حزبي.

سبتمبر 24, 2025 - 18:54
ادريس بارزاني و"روانكة" وتنظيم القيادة والمنظمة.. محاولة للفهم

العمل الخيري في تجربته ليس فعلاً عابراً، بل قيمة استراتيجية. بارزاني الشاب نظر إلى العطاء كقاعدة حضارية لبناء مجتمع متماسك. فالمجتمعات التي تعيش مستويات متقدمة من الوعي والمسؤولية هي وحدها القادرة على تحويل الخير إلى واقع ملموس. من هنا جاءت انطلاقته، حيث حوّل العمل التطوعي إلى مؤسسة دائمة وملموسة: منظمة “روانكة” التي أسسها عام 2013 في أربيل، وجعلها أول مؤسسة خيرية كوردية ذات أفق عالمي تضع الشباب في قلب مشروعها.

من خلال “روانكة” أُطلق مشروعا ضخما لتوفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل في مختلف مدن العراق. المشروع لم يقتصر على الوساطة بين طالبي العمل وأصحاب الشركات، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عبر تدريب الشباب وإعدادهم لسوق العمل. تصريحات زيرك زيدار، مسؤول إعلام المنظمة، عبّرت بوضوح عن الهدف: تقليل البطالة، وقف موجات الهجرة، وإدماج الشباب في عملية البناء. في بلد تشير التقديرات إلى وجود أكثر من مليون عاطل فيه، كان لمثل هذا المشروع وقع مختلف. كثير من الذين حصلوا على تدريب عبر “روانكة” قالوا إنهم شعروا لأول مرة بأنهم جزء من معادلة التنمية لا مجرد ضحايا لأزمة اقتصادية.

هذا الحضور الاجتماعي والثقافي وضع إدريس في موقع فريد. ففي مهرجانات توزيع الجوائز على الشباب الموهوبين في مجالات القصة القصيرة، التصوير الفوتوغرافي، الفيلم القصير، والرسم، لم يكتف بالظهور كراعٍ رسمي. وجوده كان أقرب إلى صديق يجلس بين الأدباء والفنانين، يشاركهم النقاش، ويؤكد أن الهوية الكردية لا يمكن أن تُختزل في السياسة والصراع، بل يجب أن تنفتح على الفنون باعتبارها لغة عالمية. حضور ممثلي الأمم المتحدة ودبلوماسيين أجانب إلى جانب إدريس في هذه المناسبات أضفى بعداً إضافياً، إذ أظهر أن مشروعه ليس محلياً فقط، بل نافذة لربط كردستان بالعالم.

شهادات الشباب تؤكد هذا الأثر. دلشاد، خريج جامعي من أربيل شارك في إحدى دورات “روانكة”، قال إن تجربته غيّرت نظرته إلى نفسه: “كنت أبحث عن وظيفة بأي شكل، لكن التدريب جعلني أفكر في تأسيس مشروعي الصغير. الأهم أنني لم أعد أفكر بالهجرة كما كان الحال من قبل”. سوزان، شابة من السليمانية شاركت في مسابقة للكتابة القصيرة، قالت: “لقاء إدريس منحني شعوراً بأن صوتنا يُسمع. لم أشعر أنني أمام مسؤول، بل أمام شاب قريب منّا”.

الجانب الإنساني عزز هذه الصورة أكثر. عندما وُزعت المساعدات الغذائية على ثلاثة آلاف أسرة ناجية من “داعش” في الموصل، وعندما وُفرت مياه الشرب لعائلات النازحين في مخيم ديبكة، لم يكن الأمر محصوراً في إغاثة مؤقتة. بل ظهر كجزء من رؤية ترى في العمل التطوعي امتداداً للعمل الصالح. في أحاديثه المتكررة، هذا الربط بين البعد الخاص بالعمل الصال والقيمة المدنية للعمل التطوعي أكسبه مصداقية مضاعفة، لأنه يدمج الموروث  بالواقع العصري.

علاقات “روانكة” مع منظمات دولية مثل اليونيسف، والهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسات أوروبية من النرويج وألمانيا وهولندا وكندا، عززت مكانتها كأول مؤسسة كوردية خيرية ذات شبكة عالمية. هذا الانفتاح جعلها حاضرة في المهرجانات الدولية مثل الاتحاد العالمي للشباب في دبلن، وأتاح لها أن تكون واجهة حضارية لكردستان.

عند المقارنة، يبرز سؤال مهم: كيف يختلف إدريس نيجيرفان بارزاني عن قيادات شبابية أخرى في المنطقة؟

في الأردن، مثلاً، يلاحظ حضور الأمير الحسين بن عبدالله الثاني في مشاريع شبابية تركز على ريادة الأعمال والابتكار، وهي مبادرات تهدف إلى ربط الشباب بسوق العمل وإدخالهم إلى فضاء عالمي حديث. في تونس، برز ناشطون شباب بعد الثورة مثل آمال قرامي وغيرهم الذين ركزوا على قضايا الحريات وحقوق المرأة. في العراق نفسه، ظهر جيل من الناشطين في مرحلة ما بعد2003 ركزوا على مواجهة الفساد والمطالبة بإصلاح سياسي.

لكن إدريس يختلف عن هذه النماذج في أنه لم يقف عند الاحتجاج أو الخطاب، بل اختار استراتيجية بناء مؤسسات. بينما اكتفى كثير من الناشطين   بطرح شعارات، نجح إدريس في تحويل الفكرة إلى منظمة فعلية لها أثر على عشرات الآلاف. هذا الانتقال من “الكلام” إلى “المؤسسة” هو ما يضعه في موقع مميز.

كما أن انفتاحه على الرياضة جعله أقرب إلى تجربة قادة مثل تميم بن حمد آل ثاني في قطر، الذي استخدم الرياضة كأداة للنفوذ الناعم. لكن إدريس لم يتجه إلى استثمارات كبرى، بل ركز على المستوى المحلي: دعم الأندية، تشجيع الرياضة المدرسية، وتحويلها إلى وسيلة لدمج الشباب في العمل الجماعي.

شهادة شاب كردي آخر، آرام من دهوك، توضح ذلك: “كنت لاعباً في فريق محلي لا يجد حتى زي رياضي موحد. بعد أن دعمنا مشروع بإشراف إدريس، استطعنا أن نواصل التدريب ونشارك في بطولة إقليمية. الأهم أننا شعرنا أن أحداً يهتم بنا”.

إذا وضعنا هذه التجارب في سياق إقليمي، نجد أن إدريس صنع استراتيجية شخصية قبل دخول السياسة تقوم على ثلاث قواعد:

معالجة الأزمات عبر مبادرات عملية بدل الاكتفاء بالخطاب.

بناء مؤسسات مدنية مستقلة نسبياً عن الأطر الحزبية التقليدية.

ربط المحلي بالعالمي عبر شبكات ثقافية ورياضية وإنسانية.

هذه القواعد جعلته نموذجاً خاصاً. فهو لا يشبه القيادات الشبابية الاحتجاجية التي تذبل مع الوقت، ولا يشبه القادة التقليديين الذين يكتفون برعاية المناسبات. إنه أقرب إلى جيل جديد من “القادة المبادرين” الذين ينسجون مشروعهم عبر المجتمع المدني أولاً.

في النهاية، يمكن القول إن إدريس نيجيرفان بارزاني نجح في أن يصنع صورة قائد مدني في زمن يبحث فيه الشباب عن بدائل للسياسة التقليدية. شهادات الشباب الذين تأثروا به، المشاريع التي أطلقها، انخراطه في الثقافة والرياضة، كلها جعلت منه أكثر من مجرد اسم يتردد في الأوساط الحزبية. لقد صنع استراتيجية قيادية شخصية ستبقى رصيداً له حين يدخل مستقبلاً إلى العمل السياسي المباشر ومؤسسة روانكة بعض ادلة ذلك.